بَنَاهَا؟، وَلِمَنْ هِيَ؟: أَمَّا تِلْكَ الْمَدِينَةُ، فَهِيَ حَقٌّ كَمَا بَلَغَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلَى مَا وُصِفَ لَهُ، وَأَمَّا صَاحِبُهَا الَّذِي بَنَاهَا، فَشَدَّادُ بْنُ عَادٍ، وَأَمَّا الْمَدِينَةُ فَإِرَمُ ذَاتُ الْعِمَادِ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْمُنَزَّلِ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} [الفجر: 8] وَهِيَ كَمَا وُصِفَ لَكَ لَمْ يُبْنَ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: «حَدِّثْنَا بِحَدِيثِهَا يَا أَبَا إِسْحَاقَ، يَرْحَمُكَ اللَّهُ تَعَالَى» . قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أُخْبِرُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ عَادًا الْأُولَى لَيْسَ عَادَ قَوْمِ هُودٍ، وَلَكِنْ عَادٌ الْأُولَى إِنَّمَا هُوَ هُودٌ، وَقَوْمُ هُودٍ وَلَدُ ذَلِكَ، فَكَانَ عَادٌ لَهُ ابْنَانِ: فَسَمَّى أَحَدَهُمَا شَدِيدًا، وَالْآخَرَ شَدَّادًا، فَهَلَكَ عَادٌ فَبَغَيَا، وَتَجَبَّرَا، وَمَلَكَا فَقَهَرَا كُلَّ الْبِلَادِ، وَأَخَذَاهَا عَنْوَةً وَقَسْرًا حَتَّى دَانَ لَهُمَا جَمِيعُ الْقَبَائِلِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ فِي زَمَانِهِمَا إِلَّا وَهُوَ فِي طَاعَتِهِمَا، لَا فِي مَشْرِقِ الْأَرْضِ، وَلَا فِي مَغْرِبِهَا، وَإِنَّهُ لَمَّا صَفَا لَهُمَا ذَلِكَ، وَقَرَّ قَرَارُهُمَا مَاتَ شَدِيدٌ وَبَقِيَ شَدَّادٌ، فَمَلَكَ وَحْدَهُ، وَلَمْ يُنَازِعْهُ أَحَدٌ، وَدَانَتْ لَهُ الدُّنْيَا كُلُّهَا بِأَسْرِهَا، فَكَانَ مُولَعًا بِقِرَاءَةِ الْكُتُبِ الْأُولَى الْفَانِيَةِ، وَكُلَّمَا مَرَّ فِيهِ بِذِكْرِ الْجَنَّةِ، وَمَا سَمِعَ مِمَّا فِيهَا مِنَ الْبُنْيَانِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ دَعَتْهُ نَفْسُهُ أَنْ يُقَلِّدَ تِلْكَ الصِّفَةَ فِي الدُّنْيَا عُتُوًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِبْرًا، فَلَمَّا وَقَرَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ، وَالَّذِي يُرِيدُ أَمَرَ بِصَنْعَةِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015