حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: إِنَّ " ذَا الْقَرْنَيْنِ كَانَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، ابْنَ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِهِمْ، لَيْسَ لَهَا وَلَدٌ غَيْرُهُ، يُقَالُ لَهُ: الْإِسْكَنْدَرُ، وَكَانَ خَارِجِيًّا فِي قَوْمِهِ، لَمْ يَكُنْ أَفْضَلَهُمْ حَسَبًا وَلَا مَوْضِعًا، وَلَكِنَّهُ نَشَأَ فِي أَدَبٍ حَسَنٍ، وَحِلْمٍ وَمُرُوَءةٍ وَعِفَّةٍ، مِنْ لَدُنِ كَانَ غُلَامًا إِلَى أَنْ بَلَغَ رَجُلًا، وَلَمْ يَزَلْ مُنْذُ نَشَأَ يَتَخَلَّقُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَيَسْمُو إِلَيْهَا -[1474]- فِي الْأُمُورِ، وَكَانَ قَدْ حَلَمَ حُلْمًا رَأَى بِهِ أَنَّهُ دَنَا مِنَ الشَّمْسِ، حَتَّى أَخَذَ بِقَرْنَيْهَا فِي شَرْقِهَا وَغَرْبِهَا، فَلَمَّا قَصَّ رُؤْيَاهُ عَلَى قَوْمِهِ سَمَّوْهُ ذَا الْقَرْنَيْنِ، فَلَمَّا رَأَى هَذِهِ الرُّؤْيَا بَعُدَتْ هِمَّتُهُ، وَاشْتَدَّ أَمْرُهُ وَعَلَا صَوْتُهُ، وَعَزَّ فِي قَوْمِهِ، وَأَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ الْهَيْبَةَ بِسَبَبِ مَا أَرَادَ بِهِ، وَحَدَّثَ نَفْسَهُ بِالْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، فَكَانَ أَوَّلَ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ رَأْيَهُ الْإِسْلَامُ، فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، ثُمَّ دَعَا قَوْمَهُ إِلَى أَنْ يُسْلِمُوا، فَأَسْلَمُوا عَنْوَةً مِنْ عِنْدِ آخِرِهُمْ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ، فَبَنَوْا لَهُ مَسْجِدًا قَهْرًا، فَلَمْ يَجِدُوا بُدًّا أَنْ أَجَابُوهُ، فَاسْتَعْمَلَهُمْ فِي بُنْيَانِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ جَمِيعًا، لِمَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْهَيْبَةِ وَالسُّلْطَانِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَجَعَلُوا طُولَ الْمَسْجِدِ أَرْبَعَمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَعَرْضَهُ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ، وَعَرْضَ حَائِطِهِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا، وَطُولٌ فِي السَّمَاءِ مِائَةُ ذِرَاعٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَنْصِبُوا فِيهِ سَوَارِيَ، قَالُوا لَهُ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ، فَكَيْفَ لَهُ بِخَشَبٍ يَبْلُغُ مَا بَيْنَ الْحَائِطَيْنِ؟ فَقَالَ لَهُمْ: إِذَا فَرَغْتُمْ مِنْ بُنْيَانِ الْحَائِطَيْنِ كَبَسْتُمُوهُ بِالتُّرَابِ، حَتَّى يَسْتَوِيَ الْكَبْسُ مَعَ حِيطَانِ الْمَسْجِدِ، فَإِذَا فَرَغْتُمْ مِنْ ذَلِكَ، فَرَضْتُمْ عَلَى الْمُوسِعِ قَدْرَهُ، وَعَلَى الْمُعْسِرِ قَدْرَهُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقَطَعْتُمُوهُ مِثْلَ قِلَامَةِ الظُّفُرِ، ثُمَّ خَلَطْتُمُوهُ بِذَلِكَ الْكَبْسِ، وَعَمِلْتُمْ لَهُ خَشَبًا مِنْ نُحَاسٍ تُذِيبُونَ ذَلِكَ، وَأَنْتُمْ مُتَمَكِّنُونَ مِنَ الْعَمَلِ كَيْفَ شِئْتُمْ عَلَى أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ، فَإِذَا فَرَغْتُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ عَمِلْتُمْ طُولَ كُلِّ خَشَبَةٍ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا لِلْحَائِطَيْنِ مِنْهَا أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا وَمِائَتَا ذِرَاعٍ لِمَا بَيْنَ الْحَائِطَيْنِ، لِكُلِّ حَائِطٍ اثْنَتَا عَشْرَةَ ذِرَاعًا، ثُمَّ تَدْعُونَ الْمَسَاكِينَ لِنَهْبِ ذَلِكَ التُّرَابِ، فَيُسَارِعُونَ إِلَيْهِ مِنْ أَجْلِ مَا فِيهِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَمَنْ حَمَلَ شَيْئًا، فَهُوَ لَهُ، فَأَخْرَجَ -[1475]- الْمَسَاكِينُ ذَلِكَ التُّرَابَ، وَقَدْ اسْتَقَلَّ السَّقْفُ بِمَا فِيهِ، وَاسْتَغْنَى الْمَسَاكِينُ، فَجَنَّدَهُمْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا، وَهُمْ أَوَّلُ جُنْدٍ اتَّبَعَهُ، وَجَعَلَهُمْ أَرْبَعَةَ أَجْنَادٍ، فِي كُلِّ جُنْدٍ عَشَرَةُ آلَافٍ، ثُمَّ سَيَّرَهُمْ فِي الْبِلَادِ، وَحَدَّثَ نَفْسَهُ بِالْمَسِيرِ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ قَوْمُهُ وَأَهْلُ مَدِينَتِهِ، فَقَالُوا: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ، إِنَّا نَنْشُدُكَ بِاللَّهِ لَا تُؤْثِرُ عَلَيْنَا بِنَفْسِكَ غَيْرَنَا وَنَحْنُ ثَرْوَتُكَ، وَفِينَا كَانَ مَسْقَطُ رَأْسِكَ، وَنَشَأْتَ وُرُبِّيتَ، وَهَذِهِ أَمْوَالُنَا وَأَنْفُسُنَا، فَأَنْتَ الْحَكَمُ فِينَا، وَهَذِهِ أُمُّكَ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ وَهِيَ أَعْظَمُ الرَّأْيِ لِرَأْيِكُمْ، وَلَكِنِّي بِمَنْزِلَةِ الْمَأْخُوذِ بِقَلْبِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، وَيَرْفَعُ مِنْ خَلْقِهِ قَدَمًا لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ، وَلَا مَا يُرَادُ بِهِ، وَلَكِنْ هَلُمَّ مَعْشَرَ قَوْمِي، فَادْخُلُوا هَذَا الْمَسْجِدَ، فَأَسْلِمُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِكُمْ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَخَافُوا عَلِيَّ فَتَهْلِكُوا، ثُمَّ دَعَا دِهْقَانَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَقَالَ لَهُ: عَمِّرْ مَسْجِدِي هَذَا، وَعَزِّ عَنِّي أُمِّي، فَكَانَ مِمَّا تَخَلَّفَهُ الدِّهْقَانُ بِهِ، أَنَّهُ لَمَّا رَأَى شِدَّةَ وَجْدِ أُمِّهِ، وَطُولَ بُكَائِهَا، احْتَالَ لَهَا لِيُعَزِّيَهَا مَا أَصَابَ النَّاسَ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا مِنَ الْمَصَائِبِ وَالْبَلَايَا، فَأَرَادَ أَنْ يُعْلِمَهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُبْرِئْ أَحَدًا مِنَ الْبَلَايَا وَالْمَصَائِبِ، وَالْفَجْعَاتِ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، ثُمَّ إِنَّهُ صَنَعَ عِيدًا عَظِيمًا، وَكَانَ مِنْهُ حِيلَةً لَهَا، ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنُهُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ فُلَانًا الدِّهْقَانَ قَدْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تَحْضُرُوا عِيدَهُ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَحْضُرَهُ فِيهِ النَّاسُ أَذَّنَ مُؤَذِّنُهُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ فُلَانًا الدِّهْقَانُ قَدْ أَذِنَ لَكُمْ لِتَحْضُرُوا عِيدَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَأَسْرِعُوا إِلَيْهِ، وَاحْذَرُوا أَنْ يَحْضُرَهُ إِلَّا رَجُلٌ عَرِيَ عَنِ الْمَصَائِبِ وَالْبَلَايَا وَالْفَجْعَاتِ، فَلَمَّا فَعَلَ هَذَا لَمْ يَدْرِ النَّاسُ عَلَى مَا يَضَعُونَ أَمْرَهُ، فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ أَنْفَقَ، فَعَظُمَتْ نَفَقَتُهُ، ثُمَّ نَدِمَ وَأَدْرَكَهُ الْبُخْلُ فَتَدَارَكَ أَمْرَهُ، فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ أَنْ يُخْلُوهُ وَقَالُوا: مَنْ هَذَا -[1476]- الَّذِي عَرِيَ مِنَ الْبَلَايَا؟ أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي لَمْ يُفْجَعْ، وَتُصِبْهُ الْمَصَائِبُ؟ فَإِنَّ أَهْوَنَ النَّاسِ مُصِيبَةً لَأَهْلِ الْمَوْتِ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ شَامِلٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ، فَلَا بُدَّ لِلْعَبْدِ مِنْ أَنْ يَمُوتَ، سِوَى مَصَائِبَ أُخْرَى، وَرَزَايَا عِظَامٍ تَكُونُ مِمَّا كَتَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا، فَكُلُّ هَذَا تَسْمَعُ أُمُّ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَقَدْ مُلِئَتْ مِنْهُ عَجَبًا، وَلَيْسَتْ تَدْرِي مَا يُرِيدُ الدِّهْقَانُ، ثُمَّ إِنَّ الدِّهْقَانَ بَعَثَ مُنَادِيًا بَعْدَمَا تَكَلَّمَ النَّاسُ، وَخَاضُوا فِيهِ فَأَذَّنَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ فُلَانًا الدِّهْقَانَ قَدْ أَذِنَ لَكُمْ لِتَحْضُرُوا عِنْدَهُ يَوْمَ كَذَا، فَلَا يَحْضُرَنَّهُ إِلَّا رَجُلٌ قَدِ ابْتُلِيَ وَأُصِيبَ، أَوْ فُجِعَ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ يَحْضُرَهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَرِي مِنَ الْبَلَايَا، لِأَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يُصِيبُهُ الْبَلَاءُ، فَلَمَّا فَعَلَ هَذَا تَكَلَّمَ النَّاسُ فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ قَدْ بَخِلَ، ثُمَّ نَدِمَ وَاسْتَحْيَى فَتَدَارَكَ رَأْيَهُ وَحَجَا عَيْبَهُ، لَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ خَطَبَهُمْ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي مَا جَمَعْتُكُمْ لِمَا دَعَوْتُكُمْ لَهُ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لِأُكَلِّمَكُمْ فِي ذِي الْقَرْنَيْنِ فِيمَا لَحِقَنَا بِهِ مِنْ فَقْدِ صَاحِبِنَا وَفِرَاقِهِ، إِنَّهُ عَمَدَ إِلَى أَعْظَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ حِلْمًا وَعِلْمًا، وَحُكْمًا وَخَطَرًا، وَأَبْعَدِهِمْ صَوْنًا، وَأَشَدِّهُمْ حِيلَةً وَبَأْسًا، وَقَلْبًا وَجَنَاحًا، فَاجْتَلَحَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا فِي مِثْلِ قِلَّتِنَا وَضَعْفِنَا، وَحَاجَتِنَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا عَظُمَتْ مُصِيبَةٌ عَلَيْنَا نَظَرْتُ فِي مَوَاقِعِ الْبَلَاءِ، فَوَجَدْتُ الْبَلَاءَ لَنَا الْأُسْوَةَ الْحَسَنَةَ مُنْذُ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، فَتَعَزَّيْتُ بِذَلِكَ، وَأَرَدْتُ أَنْ أَقُصَّ عَلَيْكُمْ هَذَا الْعَزاءَ لِتَصْبِرُوا وَتُسَلِّمُوا، وَتَرْضَوْا بِقَضَاءِ رَبِّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَلَوْ نَظَرْتُمْ فِيمَا قَصَصْتُ عَلَيْكُمْ مَعَ مَوَاقِعِ الْبَلَاءِ لَوَجَدْتُمْ أُعْظَمَهُ، وَأَشَدَّهُ عَلَى -[1477]- النَّبِيِّينَ، ثُمَّ خِيَارِ النَّاسِ بَعْدَهُمُ، ابْتَلَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوَّلَ خَلْقِهِ وَهُوَ خِيرَتُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَةً، وَأَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ، وَأَكْرَمَهُ بِكَرَامَةٍ لَمْ يُكْرِمْهَا أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، ثُمَّ ابْتَلَاهُ بِأَعْظَمِ بَلِيَّةٍ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا مِنْ حِينِ خَلَقَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ الْخُرُوجُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْمُصِيبَةُ الَّتِي لَا جُبْرَانَ لَهَا، فَمَنْ مِثْلُ آدَمَ، وَمَنْ هَذَا لَيْسَ لَهُ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، وَعَزَاءٌ عَظِيمٌ بِآدَمَ، ثُمَّ ابْتَلَى اللَّهُ مَنْ بَعْدَهُ بِالْحَرِيقِ وَالْجَلَاءِ، وَابْتَلَى إِسْحَاقَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالذَّبْحِ، وَيَعْقُوبَ بِالْحُزْنِ، وَالْبَلَاءِ وَعَمَى الْبَصَرِ، وَيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالرِّقِّ، وَأَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالسُّقْمِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ، وَيَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالذَّبْحِ، وَزَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْقَتْلِ، وَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْأَسْرِ، وَخَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَثِيرٌ لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ عَارَضُوا كَلَامَهُ وَأَجَابُوهُ، فَأَحْسَنُوا إِجَابَتَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: انْطَلِقُوا بِنَا نُعَزِّ أُمَّ الْإِسْكَنْدَرِوس، وَنَنْظُرُ كَيْفَ صَبْرُهَا، فَإِنَّهَا أَعْظَمَتْ مُصِيبَةً فِي ابْنِهَا، لَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهَا، قَالُوا لَهَا: هَلْ حَضَرْتِ الْجَمْعَ، أَوْ سَمِعْتِ الْكَلَامَ؟ قَالَتْ لَهُمْ: مَا غَابَ عَنِّي مِنْ أَمْرِكُمْ شَيْءٌ، وَلَا سَقَطَ عَلَيَّ مِنْ كَلَامِكُمْ شَيْءٌ، وَمَا كَانَ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَعْظَمَ مُصِيبَةً فِي الْإِسْكَنْدَرِوس مِنِّي، وَلَقَدْ صَبَّرَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَضَّانِي، وَرَبَطَ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ صَبْرِي، وَعَزَائِي فِي الْقُوَّةِ وَالتَّسْلِيمِ بِقَدْرِ عِظَمِ مُصِيبَتِي، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ أَجْرِي، وَثَوَابِي عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ، وَإِنِّي -[1478]- لَأَرْجُو لَكُمْ مِنَ الْأَجْرِ بِقَدْرِ مَا رُزِيتُمْ مِنْ فَقْدِ أَخِيكُمْ، بِأَنْ تُؤْجَرُوا عَلَى قَدْرِ مَا نَوَيْتُمْ فِي أُمِّهِ وَأَمَّلْتُمْ، وَاللَّهُ يَأْجُرُنِي وَإِيَّاكُمْ، وَيَغْفِرُ لِي وَلَكُمْ، وَيَرْحَمُنِي وَإِيَّاكُمْ، فَلَمَّا رَأَوْا حُسْنَ عَزَائِهَا، وَصَبْرِهَا انْصَرَفُوا وَتَرَكُوهَا، وَانْطَلَقَ ذُو الْقَرْنَيْنِ يَسِيرُ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أَمْعَنَ فِي الْبِلَادِ يَؤُمُّ الْغَرْبَ، وَجُنُودُهُ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاكِينُ، فَلَمَّا أَمْعَنَ فِي الْبِلَادِ، أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ: إِنَّكَ رَسُولِي يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِلَى جَمِيعِ الْخَلَائِقِ، مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ مِنْ مَطْلِعِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا، فَأَنْتَ رَسُولِي إِلَيْهِمْ، وَحُجَّتِي عَلَيْهِمْ، هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاكَ الَّتِي رَأَيْتَ، وَقَدْ بَعَثْتُكَ إِلَى جَمِيعِ الْأُمَمِ، وَهُمْ سَبْعُ أُمَمٍ، وَهُمْ جَمِيعُ خَلْقِي، مِنْهُمْ أُمَّتَانِ بَيْنَهُمَا طُولُ الْأَرْضِ كُلُّهُ " فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، نَحْوَ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْفَضْلِ، وَزَادَ فِيهِ قَالَ: «فَأَقَامَ عِنْدَهُمْ ذُو الْقَرْنَيْنِ حَتَّى قُبِضَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِمْ عُمُرٌ، وَقَدْ كَانَ بَلَغَ السِّنَّ، وَأَدْرَكَهُ الْكِبَرُ، وَكَانَ عَدَدَ مَا سَارَ فِي الْبِلَادِ مِنْ يَوْمِ بَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى قَبْضِهِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ»