وتنسى في عاصفة الصياح المستمر .. الإنتاج .. الإنتاج .. كل القيم الروحية والأخلاقية وتدوس هذه القيم كلها في سبيل الإنتاج المادي .. هذا الصياح ليس بريئا إنما هو خطة مدبرة لإقامة أصنام تعبد بدل أصنام الجاهلية الأولى وتكون لها السيادة العليا على القيم جميعا! وعند ما يصبح الإنتاج المادي صنما يكدح الناس حوله ويطوفون به في قداسة الأصنام فإن كل القيم والاعتبار ات الأخرى تداس في سبيله وتنتهك .. الأخلاق. الأسرة. الأعراض. الحريات. الضمانات.
كلها .. كلها إذا تعارضت مع توفير الإنتاج يجب أن تداس! فماذا تكون الأرباب والأصنام إن لم تكن هي هذه؟ إنه ليس من الحتم أن يكون الصنم حجرا أو خشبا. فقد يكون قيمة واعتبار ا ولا فتة ولقبا! إن القيمة العليا يجب أن تبقى لفضل اللّه ورحمته المتمثلين في هداه الذي يشفي الصدور، ويحرر الرقاب، ويعلي من القيم الإنسانية في الإنسان. وفي ظل هذه القيمة العليا يمكن الانتفاع برزق اللّه الذي أعطاه للناس في الأرض وبالتصنيع الذي يوفر الإنتاج المادي وبالتيسيرات المادية التي تقلل من شدة الكدح وبسائر هذه القيم التي تدق الجاهلية حولها الطبول في الأرض! وبدون وجود تلك القيمة العليا وسيادتها تصبح الأرزاق والتيسيرات والإنتاج لعنة يشقى بها الناس لأنها يومئذ تستخدم في إعلاء القيم الحيوانية والآلية، على حساب القيم الإنسانية العلوية.
وصدق اللّه العظيم: «يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ، وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ، وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ قُلْ: بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» .. (?)