لا تفرح العصبة المؤمنة إلا بطاعة الله ومرضاته

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)} [يونس: 57 - 58] ..

جاءتكم في ذلك الكتاب الذي ترتابون فيه. جاءتكم الموعظة «من ربكم» فليس هو كتابا مفترى، وليس ما فيه من عند بشر. جاءتكم الموعظة لتحيي قلوبكم، وتشفي صدوركم من الخرافة التي تملؤها، والشك الذي يسيطر عليها، والزيغ الذي يمرضها، والقلق الذي يحيرها. جاءت لتفيض عليها البرء والعافية واليقين والاطمئنان والسلام مع الإيمان. وهي لمن يرزق الإيمان هدى إلى الطريق الواصل، ورحمة من الضلال والعذاب: «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا، هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» ... فبهذا الفضل الذي آتاه اللّه عباده، وبهذه الرحمة التي أفاضها عليهم من الإيمان .. فبذلك وحده فليفرحوا.

فهذا هو الذي يستحق الفرح. لا المال ولا أعراض هذه الحياة. إن ذلك هو الفرح العلوي الذي يطلق النفس من عقال المطامع الأرضية والأعراض الزائلة، فيجعل هذه الأعراض خادمة للحياة لا مخدومة ويجعل الإنسان فوقها وهو يستمتع بها لا عبدا خاضعا لها. والإسلام لا يحقر أعراض الحياة الدنيا ليهجرها الناس ويزهدوا فيها. إنما هو يزنها بوزنها ليستمتع بها الناس وهم أحرار الإرادة طلقاء اليد، مطمحهم أعلى من هذه الأعراض، وآفاقهم أسمى من دنيا الأرض. الإيمان عندهم هو النعمة، وتأدية مقتضيات الإيمان هي الهدف. والدنيا بعد ذلك مملوكة لهم لا سلطان لها عليهم.

عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ أَيْفَعَ بْنَ عَبْدٍ يَقُولُ: لَمَّا قَدِمَ خَرَاجُ الْعِرَاقِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ خَرَجَ عُمَرُ وَمَوْلًى لَهُ، فَجَعَلَ عُمَرُ يَعُدُّ الْإِبِلَ، فَإِذَا هِيَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَجَعَلَ عُمَرُ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَجَعَلَ مَوْلاَهُ يَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، {فَبِذَلِكَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015