الإيمان بكل أركان الإيمان حقًّا وصدقاً

قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285]

إنها صورة للمؤمنين، للجماعة المختارة التي تمثلت فيها حقيقة الإيمان فعلا. ولكل جماعة تتمثل فيها هذه الحقيقة الضخمة .. ومن ثم كرمها اللّه - سبحانه - وهو يجمعها - في حقيقة الإيمان الرفيعة - مع الرسول - - صلى الله عليه وسلم - وهو تكريم تدرك الجماعة المؤمنة حقيقته لأنها تدرك حقيقة الرسول الكبيرة وتعرف أي مرتقى رفعها اللّه إليه عنده، وهو يجمع بينها وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - في صفة واحدة، في آية واحدة، من كلامه الجليل: «آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ» ..

وإيمان الرسول بما أنزل من ربه هو إيمان التلقي المباشر. تلقي قلبه النقي للوحي العلي. واتصاله المباشر بالحقيقة المباشرة. الحقيقة التي تتمثل في كيانه بذاتها من غير كد ولا محاولة وبلا أداة أو واسطة. وهي درجة من الإيمان لا مجال لوصفها فلا يصفها إلا من ذاقها، ولا يدركها من الوصف - على حقيقتها - إلا من ذاقها كذلك! فهذا الإيمان - إيمان الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يكرم اللّه عباده المؤمنين فيجمعهم في الوصف مع الرسول الكريم. على فارق ما بين مذاقه في كيان الرسول - صلى الله عليه وسلم - بطبيعة الحال وكيان أيّ سواه ممن لم يتلق الحقيقة المباشرة من مولاه.

فما هي طبيعة هذا الإيمان وحدوده؟

«كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ. لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ. وَقالُوا: سَمِعْنا وَأَطَعْنا. غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» .. إنه الإيمان الشامل الذي جاء به هذا الدين. الإيمان الذي يليق بهذه الأمة الوارثة لدين اللّه، القائمة على دعوته في الأرض إلى يوم القيامة، الضاربة الجذور في أعماق الزمان، السائرة في موكب الدعوة وموكب الرسول وموكب الإيمان الممتد في شعاب التاريخ البشري، الإيمان الذي يتمثل البشرية كلها منذ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015