قال تعالى: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88]
وهذا تقرير لينابيع الهدى في هذه الأرض. فهدى اللّه للبشر يتمثل فيما جاءت به الرسل. وينحصر المستيقن منه، والذي يجب اتباعه، في هذا المصدر الواحد، الذي يقرر اللّه - سبحانه - أنه هو هدى اللّه وأنه هو الذي يهدي إليه من يختار من عباده .. ولو أن هؤلاء العباد المهديين حادوا عن توحيد اللّه وتوحيد المصدر الذي يستمدون منه هداه، وأشركوا باللّه في الاعتقاد أو العبادة أو التلقي، فإن مصيرهم أن يحبط عنهم عملهم: أي أن يذهب ضياعا، ويهلك كما تهلك الدابة التي ترعى نبتا مسموما فتنتفخ ثم تموت .. وهذا هو الأصل اللغوي للحبوط! «أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ. فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ» ..
وهذا هو التقرير الثاني .. فقرر في الأول مصدر الهدى، وقصره على هدى اللّه الذي جاءت به الرسل. وقرر في الثاني أن الرسل الذين ذكرهم والذين أشار إليهم، هم الذين آتاهم اللّه الكتاب والحكمة والسلطان والنبوة - «والحكم» يجيء بمعنى الحكمة كما يجيء بمعنى السلطان كذلك - وكلا المعنيين محتمل في الآية. فهؤلاء الرسل أنزل اللّه على بعضهم الكتاب كالتوراة مع موسى، والزبور مع داود، والإنجيل مع عيسى. وبعضهم آتاه اللّه الحكم كداود وسليمان - وكلهم أوتي السلطان على معنى أن ما معه من الدين هو حكم اللّه، وأن الدين الذي جاءوا به يحمل سلطان اللّه على النفوس وعلى الأمور. فما أرسل اللّه الرسل إلا ليطاعوا، وما أنزل الكتاب إلا ليحكم بين الناس بالقسط، كما جاء في الآيات الأخرى. وكلهم أوتي الحكمة وأوتي النبوة .. وأولئك هم الذين وكلهم اللّه بدينه، يحملونه إلى الناس، ويقومون عليه، ويومنون به ويحفظونه .. فإذا كفر بالكتاب والحكم والنبوة مشركو العرب: «هؤلاء» فإن دين اللّه غني عنهم وهؤلاء الرهط الكرام والمؤمنون بهم هم حسب هذا الدين! .. إنها حقيقة قديمة امتدت شجرتها، وموكب