لا يمنون على الله بإيمانهم ولا بأعمالهم

قال تعالى: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)} [الحجرات: 16 - 17]

والإنسان يدعي العلم، وهو لا يعلم نفسه، ولا ما يستقر فيها من مشاعر، ولا يدرك حقيقة نفسه ولا حقيقة مشاعره فالعقل نفسه لا يعرف كيف يعمل، لأنه لا يملك مراقبة نفسه في أثناء عمله. وحين يراقب نفسه يكف عن عمله الطبيعي، فلا يبقى هناك ما يراقبه! وحين يعمل عمله الطبيعي لا يملك أن يشغل في الوقت ذاته بالمراقبة! ومن ثم فهو عاجز عن معرفة خاصة ذاته وعن معرفة طريقة عمله! وهو هو الأداة التي يتطاول بها الإنسان! «وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ» .. علما حقيقيا. لا بظواهرها وآثارها. ولكن بحقائقها وماهياتها. وعلما شاملا محيطا غير محدود ولا موقوت.

«وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» .. بهذا الإجمال الشامل المحيط.

وبعد بيان حقيقة الإيمان التي لم يدركوها ولم يبلغوها، يتوجه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالخطاب عن منّهم عليه بالإسلام وهذا المن ذاته دليل على أن حقيقة الإيمان لم تكن قد استقرت بعد في تلك القلوب، وأن حلاوة الإيمان لم تكن بعد قد تذوقتها تلك الأرواح: «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا. قُلْ: لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ. بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ، إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» ..

لقد منوا بالإسلام، وزعموا الإيمان. فجاءهم الرد أن لا يمنوا بالإسلام، وأن المنة للّه عليهم لو صدقوا في دعوى الإيمان. ونحن نقف أمام هذا الرد، الذي يتضمن حقيقة ضخمة، يغفل عنها الكثيرون، وقد يغفل عنها بعض المؤمنين ..

إن الإيمان هو كبرى المنن التي ينعم بها اللّه على عبد من عباده في الأرض. إنه أكبر من منة الوجود الذي يمنحه اللّه ابتداء لهذا العبد وسائر ما يتعلق بالوجود من آلاء الرزق والصحة والحياة والمتاع. إنها المنة التي تجعل للوجود الإنساني حقيقة مميزة وتجعل له في نظام الكون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015