وَلْيَكُنْ الْمَغْلُوبُ غَيْرَ الْغَالِبِ .. (?)
وصحت فراسة أبي سفيان، وأصاب محمد - صلى الله عليه وسلم - النفير وذل المشركون بالبطر والبغي والرياء والصد عن سبيل اللّه وكانت بدر قاصمة الظهر لهم: «وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ» ..
لا يفوته منهم شيء، ولا يعجزه من قوتهم شيء، وهو محيط بهم وبما يعملون.
ويمضي السياق يصور وسوسة الشيطان للمشركين وإغراءهم بهذا الخروج الذي نالهم منه ما نالهم من الذل والخيبة والخسار والانكسار: «وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ، وَقالَ: لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ، وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ. فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ، وَقالَ: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ، إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ، إِنِّي أَخافُ اللَّهَ، وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ» ..
ولقد وردت في هذه الآية والحادث الذي تشير إليه عدة آثار ليس من بينها حديث عن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - إلا ما رواه مالك في الموطأ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كُرَيْزٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،قَالَ:" مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ، وَلَا أَدْحَرُ، وَلَا أَحْقَرُ، وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا مِمَّا يَرَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللهِ عَنِ الذُّنُوبِ إِلَّا مَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الَّذِي رَأَى مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ؟،قَالَ:" رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ ". يَعْنِي: يَرُدُّ " (?) ..
وعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كُرَيْزٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،قَالَ:" مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ، وَلَا أَدْحَرُ،وَلَا أَحْقَرُ، وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا مِمَّا يَرَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللهِ عَنِ الذُّنُوبِ إِلَّا مَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ " (?)
وفي هذا الأثر عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون، وهو ضعيف الحديث، والخبر مرسل.
فأما سائر الآثار فعن ابن عباس - رضي اللّه عنهما - من طريق علي بن أبي طلحة وطريق ابن جريج. وعن عروة بن الزبير من طريق ابن إسحاق. وعن قتادة من طريق سعيد بن جبير. وعن الحسن وعن محمد بن كعب. وهذه أمثلة منها من رواية ابن جرير الطبري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، قَالَ: أَقْبَلَتْ عِيرُ أَهْلِ مَكَّةَ