به، ما لم تحصل عليه بالطريقة الربوية! فوقر في حس هذه الأجيال المنكودة الطالع أنه ليس هناك نظام إلا هذا النظام وأن الحياة لا تقوم إلا على هذا الأساس! بهتت صورة الزكاة حتى أصبحت هذه الأجيال تحسبها إحسانا فرديا هزيلا، لا ينهض على أساسه نظام عصري! ولكن كم تكون ضخامة حصيلة الزكاة، وهي تتناول اثنين ونصفا في المائة من أصل رؤوس الأموال الأهلية مع ربحها (?)؟ يؤديها الناس الذين يصنعهم الإسلام صناعة خاصة، ويربيهم تربية خاصة، بالتوجيهات والتشريعات، وبنظام الحياة الخاص الذي يرتفع تصوره على ضمائر الذين لم يعيشوا فيه! وتحصلها الدولة المسلمة، حقا مفروضا، لا إحسانا فرديا. وتكفل بها كل من تقصر به وسائله الخاصة من الجماعة المسلمة حيث يشعر كل فرد أن حياته وحياة أولاده مكفولة في كل حالة وحيث يقضي عن الغارم المدين دينه سواء كان دينا تجاريا أو غير تجاري، من حصيلة الزكاة.
وليس المهم هو شكلية النظام. إنما المهم هو روحه. فالمجتمع الذي يربيه الإسلام بتوجيهاته وتشريعاته ونظامه، متناسق مع شكل النظام وإجراءاته، متكامل مع التشريعات والتوجيهات، ينبع التكافل من ضمائره ومن تنظيماته معا متناسقة متكاملة. وهذه حقيقة قد لا يتصورها الذين نشأوا وعاشوا في ظل الأنظمة المادية الأخرى. ولكنها حقيقة نعرفها نحن - أهل الإسلام - ونتذوقها بذوقنا الإيماني. فإذا كانوا هم محرومين من هذا الذوق لسوء طالعهم ونكد حظهم - وحظ البشرية التي صارت إليهم مقاليدها وقيادتها - فليكن هذا نصيبهم! وليحرموا من هذا الخير الذي يبشر اللّه به: «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ» .. ليحرموا من الطمأنينة والرضى، فوق حرمانهم من الأجر والثواب. فإنما بجهالتهم وجاهليتهم وضلالهم وعنادهم يحرمون! إن اللّه - سبحانه - يعد الذين يقيمون حياتهم على الإيمان والصلاح والعبادة والتعاون، أن يحتفظ لهم بأجرهم عنده. ويعدهم بالأمن فلا يخافون. وبالسعادة فلا يحزنون: «فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» ..