منها طاعة الأمير الذي يقودها. وهي طاعة قلبية عميقة لا مجرد الطاعة التنظيمية في الجيوش التي لا تجاهد للّه، ولا يقوم ولاؤها للقيادة على ولائها للّه أصلا .. والمسافة كبيرة كبيرة .. وأما الصبر. فهو الصفة التي لا بد منها لخوض المعركة .. أية معركة .. في ميدان النفس أم في ميدان القتال.
«وَاصْبِرُوا، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» .. وهذه المعية من اللّه هي الضمان للصابرين بالفوز والغلب والفلاح ..
ويبقى التعليم الأخير: «وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ» ..
يبقى هذا التعليم ليحمي العصبة المؤمنة من أن تخرج للقتال متبطرة طاغية تتعاجب بقوتها! وتستخدم نعمة القوة التي أعطاها اللّه لها في غير ما أرادها .. والعصبة المؤمنة إنما تخرج للقتال في سبيل اللّه تخرج لتقرير ألوهيته سبحانه في حياة البشر، وتقرير عبودية العباد للّه وحده. وتخرج لتحطيم الطواغيت التي تغتصب حق اللّه في تعبيد العباد له وحده، والتي تزاول الألوهية في الأرض بمزاولتها للحاكمية - بغير إذن اللّه وشرعه - وتخرج لإعلان تحرير «الإنسان» في «الأرض» من كل عبودية لغير اللّه، تستذل إنسانية الإنسان وكرامته.
وتخرج لحماية حرمات الناس وكراماتهم وحرياتهم، لا للاستعلاء على الناس واستعبادهم والتبطر بنعمة القوة باستخدامها هذا الاستخدام المنكر. وتخرج متجردة من حظ نفسها في المعركة جملة، فلا يكون لها من النصر والغلب إلا تحقيق طاعة اللّه في تلبية أمره بالجهاد وفي إقامة منهجه في الحياة وفي إعلاء كلمته في الأرض وفي التماس فضله بعد ذلك ورضاه .. حتى الغنائم التي تخلفها المعركة فهي من فضل اللّه ..
ولقد كانت صورة الخروج بطرا ورئاء الناس وصدا عن سبيل اللّه حاضرة أمام العصبة المؤمنة يرونها في خروج قريش بالصورة التي خرجت بها كما كانت صورة العاقبة لهذا الخروج حاضرة فيما أصاب قريشا التي خرجت في ذلك اليوم بفخرها وعزها وكبريائها تحاد اللّه ورسوله: وعادت في آخر اليوم بالذل والخيبة والانكسار والهزيمة .. وكان اللّه