قال تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)} [الأنفال: 43، 44]
ولقد كان من تدبير اللّه في المعركة أن يرى رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - الكافرين في الرؤيا في منامه قليلا لا قوة لهم ولا وزن. فينبئ أصحابه برؤياه، فيستبشروا بها ويتشجعوا على خوض المعركة .. ثم يخبر اللّه هنا لم أراهم لنبيه قليلا. فلقد علم - سبحانه - أنه لو أراهم له كثيرا، لفت ذلك في قلوب القلة التي معه، وقد خرجت على غير استعداد ولا توقع لقتال، ولضعفوا عن لقاء عدوهم وتنازعوا فيما بينهم على ملاقاتهم: فريق يرى أن يقاتلهم وفريق يرى تجنب الالتحام بهم .. وهذا النزاع في هذا الظرف هو أبأس ما يصيب جيشا يواجه عدوا! «وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ. إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» ..
ولقد كان - سبحانه - يعلم بذوات الصدور فلطف بالعصبة المؤمنة أن يعرضها لما يعلمه من ضعفها في ذلك الموقف فأرى نبيه المشركين في رؤياه قليلا، ولم يرهم إياه كثيرا ..
والرؤيا صادقة في دلالتها الحقيقية. فقد رآهم رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قليلا .. وهم كثير عددهم، ولكن قليل غناؤهم، قليل وزنهم في المعركة، قلوبهم خواء من الإدراك الواسع، والإيمان الدافع، والزاد النافع .. وهذه الحقيقة الواقعة - من وراء الظاهر الخادع - هي التي أراها اللّه لرسوله فأدخل بها الطمأنينة على قلوب العصبة المؤمنة. واللّه عليم بسرائرهم، مطلع على قلة عددهم وضعف عدتهم، وما تحدثه في نفوسهم لو عرفوا كثرة عدوهم، من ضعف عن المواجهة وتنازع على الالتحام أو الإحجام.
وكان هذا تدبيرا من تدبير اللّه العليم بذات الصدور.