ألا إن غزوة بدر - بملابساتها هذه - لتمضي مثلا في التاريخ البشري. ألا وإنها لتقرر دستور النصر والهزيمة وتكشف عن أسباب النصر وأسباب الهزيمة .. الأسباب الحقيقية لا الأسباب الظاهرة المادية .. ألا وإنها لكتاب مفتوح تقرؤه الأجيال في كل زمان وفي كل مكان، لا تتبدل دلالتها ولا تتغير طبيعتها. فهي آية من آيات اللّه، وسنة من سننه الجارية في خلقه، ما دامت السماوات والأرض .. ألا وإن العصبة المؤمنة التي تجاهد اليوم لإعادة النشأة الإسلامية في الأرض - بعد ما غلبت عليها الجاهلية - لجديرة بأن تقف طويلا أمام (بدر) وقيمها الحاسمة التي تقررها والأبعاد الهائلة التي تكشفها بين ما يريده الناس لأنفسهم وما يريده اللّه لهم: «وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ، وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ. وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ. لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ» ...
إن العصبة المؤمنة التي تحاول اليوم إعادة نشأة هذا الدين في دنيا الناس وفي عالم الواقع، قد لا تكون اليوم من الناحية الحركية في المرحلة التي كانت فيها العصبة المؤمنة الأولى يوم بدر. ولكن الموازين والقيم والتوجيهات العامة لبدر وملابساتها ونتائجها والتعقيبات القرآنية عليها ما تزال تواجه وتوجه موقف العصبة المؤمنة في كل مرحلة من مراحل الحركة، ذلك أنها موازين وقيم وتوجيهات كلية ودائمة ما دامت السماوات والأرض، وما كانت عصبة مسلمة في هذه الأرض، تجاهد في وجه الجاهلية لإعادة النشأة الإسلامية. (?)