الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

قال تعالى ناعيا على اليهود: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63)} [المائدة: 62 - 63]

والمسارعة مفاعلة تصور القوم كأنما يتسابقون تسابقا في الإثم والعدوان، وأكل الحرام. وهي صورة ترسم للتبشيع والتشنيع، ولكنها تصور حالة من حالات النفوس والجماعات حين يستشري فيها الفساد وتسقط القيم ويسيطر الشر .. وإن الإنسان لينظر إلى المجتمعات التي انتهت إلى مثل هذه الحال، فيرى كأنما كل من فيها يتسابقون إلى الشر .. إلى الإثم والعدوان، قويهم وضعيفهم سواء .. فالإثم والعدوان - في المجتمعات الهابطة الفاسدة - لا يقتصران على الأقوياء بل يرتكبهما كذلك الضعفاء .. فحتى هؤلاء ينساقون في تيار الإثم. وحتى هؤلاء يملكون الاعتداء إنهم لا يملكون الاعتداء على الأقوياء طبعا. ولكن يعتدي بعضهم على بعض. ويعتدون على حرمات اللّه. لأنها هي التي تكون في المجتمعات الفاسدة الحمى المستباح الذي لا حارس له من حاكم ولا محكوم فالإثم والعدوان طابع المجتمع حين يفسد والمسارعة فيهما عمل هذه المجتمعات! وكذلك كان مجتمع يهود في تلك الأيام .. وكذلك أكلهم للحرام .. فأكل الحرام كذلك سمة يهود في كل آن! «لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ»! ويشير السياق إلى سمة أخرى من سمات المجتمعات الفاسدة وهو يستنكر سكوت الربانيين القائمين على الشريعة، والأحبار القائمين على أمر العلم الديني .. سكوتهم على مسارعة القوم في الإثم والعدوان وأكل السحت وعدم نهيهم عن هذا الشر الذي يتسابقون فيه: «لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ! لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ!» ..

فهذه السمة - سمة سكوت القائمين على أمر الشريعة والعلم الديني عما يقع في المجتمع من إثم وعدوان - هي سمة المجتمعات التي فسدت وآذنت بالانهيار .. وبنو إسرائيل «كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ» .. كما حكى عنهم القرآن الكريم ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015