العصبة المؤمنة لا تقسم الفقه بين فقه عبادات وفقه معاملات

إن إطلاق مصطلح «العبادات» على الشعائر وعلى ما يكون بين العبد والرب من تعامل، في مقابل إطلاق مصطلح: «المعاملات» على ما يكون بين الناس بعضهم وبعض من تعامل .. إن هذا جاء متأخرا عن عصر نزول القرآن الكريم ولم يكن هذا التقسيم معروفا في العهد الأول.

ولقد كتبنا من قبل في كتاب «خصائص التصور الإسلامي ومقوماته» شيئا عن تاريخ هذه المسألة نقتطف منه هذه الفقرات:

«إن تقسيم النشاط الإنساني إلى «عبادات» و «معاملات» مسألة جاءت متأخرة عن التأليف في مادة «الفقه».ومع أنه كان المقصود به - في أول الأمر - مجرد التقسيم «الفني» الذي هو طابع التأليف العلمي، إلا أنه - مع الأسف - أنشأ فيما بعد آثارا سيئة في التصور، تبعها - بعد فترة - آثار سيئة في الحياة الإسلامية كلها إذ جعل يترسب في تصورات الناس أن صفة «العبادة» إنما هي خاصة بالنوع الأول من النشاط، الذي يتناوله «فقه العبادات».بينما أخذت هذه الصفة تبهت بالقياس إلى النوع الثاني من النشاط، الذي يتناوله «فقه المعاملات»! وهو انحراف بالتصور الإسلامي لا شك فيه. فلا جرم يتبعه انحراف في الحياة كلها في المجتمع الإسلامي.

«ليس في التصور الإسلامي نشاط إنساني لا ينطبق عليه معنى «العبادة» أو لا يطلب فيه تحقيق هذا الوصف. والمنهج الإسلامي كله غايته تحقيق معنى العبادة، أولا وأخيرا.

«وليس هناك من هدف في المنهج الإسلامي لنظام الحكم، ونظام الاقتصاد، والتشريعات الجنائية، والتشريعات المدنية، وتشريعات الأسرة. وسائر التشريعات التي يتضمنها هذا المنهج.

«ليس هناك من هدف إلا تحقيق معنى «العبادة» في حياة الإنسان .. والنشاط الإنساني لا يكون متصفا بهذا الوصف، محققا لهذه الغاية - التي يحدد القرآن أنها هي غاية الوجود الإنساني - إلا حين يتم هذه النشاط وفق المنهج الرباني فيتم بذلك إفراد اللّه - سبحانه -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015