الطَّائفة الثّانية، ليحرسوا جاز إذا لم تكثر فِعَالُهُم، وذلك بأن يتقدَّم كلُّ وَاحِدٍ من أهل الصَّفِّ الثَّانِي خطْوَتين، ويتأخر كل واحد من أهل الصَّفِّ الأول خطوتين، وينفذ كل واحد منهم بين رجلين، وهل هذا أولى أم الأولى أن يلازم كل واحد منهم مكانه؟ أشار في الكتاب إلى أن التقدم والتأخر أحسن وأولى؛ لأن الحراسة بالصَّف الأول أَلْيَقُ، وقد سبق وجهه، وهكذا ذكر الصيدلاني، والمسعودي وآخرون، وقال أصحابنا العراقيون: الأولى أن يلازم كل منهم مكانه، فلا يضطرب ولا ينتقل ولفظ الشافعي -رضي الله عنه- في "المختصر" على هذا أدل، وهذا كله مبني على ما ذكره الشافعي -رضي الله عنه- أن في الركعة الأولى يحرس الصَّف الأول، فأما على ما اختاره أبو حامد واشتهر في الخبر أن الصف الثَّاني يحرسون في الركعة الأولى، ففي الركعة الثانية يتقدم أهل الصَّفِّ الثاني، ويتأخر أهل الصف الأول، فتكون الحِرَاسة في الركعتين مِمَّنْ خلف الصف الأول لا من الصف الأول، كذلك ورد في الخبر، وقوله في الكتاب: (فإذا سجد في الأولى حرسه الصف الأول) يجوز أن يعلم بالحاء، وكذا قوله: "سجدوا ولحقوا به" وكذا يفعل الصف الثاني في الركعة الثانية؛ لأن أصحابنا حكوا عن أبي حنيفة أنه إذا كان العدو في جهة القبلة لم يُصَلّ بهم إلا كما يصلّي والعدو في غير جهة القبلة، وتفصيله على ما سيأتي في النوع الثالث، ورسموا هذه مسألة خلافية بيننا وبينه.
قال الغزالي: الثَّالِثُ: أَنْ يَلْتَحِمَ القِتَالُ وَيَحْتَمِلَ الحَالُ اشْتِغَال بَعْضِهِمْ بِالصَّلاَةِ فَيَصْدع الإمَامُ أَصْحَابَهُ صَدْعَيْنِ وَينْحَازَ بطَائِفَةٍ إلَى حَيْثُ لاَ تَبْلِغُهُمُ سِهَامُ العَدُوُّ فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً فَإِذَا قَامَ إِلَى الثَّانِيَةِ انْفَرَدُوا بِالثَّانِيَةِ وَسَلَّمُوا وَأَخَذُوا مَكَانَ إِخْوَانِهِم فِي الصَّفِّ وَانْحَازَ الفِئَةُ المُقَاتِلَةُ إلَى الإِمَامِ وَهُوَ يَنْتِظرُهُمْ وَاقْتَدَوْا بِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ قَامُوا وَأَتَمُّوا الثَّانِيَةَ وَلَحِقُوا بِهِ قَبْلَ السَّلاَمَ وَسَلَّمَ بِهِمْ هَكَذَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِذَاتِ الرَّقَاعِ فِي رِوَايَةِ خَوّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ وَلَيْسَ فِيهَا إلاَّ الانْفِرَادُ عَنِ الإِمَامِ في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَانْتِظَارُ الإِمَامِ لِلطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ مَرَّتَيْنِ (?)، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّ فِيهَا كَثْرَةَ الأَفْعَالِ مَعَ الاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا.
قال الرافعي: النوع الثالث: صلاة ذات الرقاع (?) في كيفيتها في الصُّبح، والصَّلاة المقصورة في السفر ثم في الصلاة الثلاثية والرباعية، أما في ذات الركعتين فيفرق الإمام القوم فرقتين وتقف طائفة جِهَة العدوّ، وينحاز بطائفة إلى حيثُ لا تبلغهم سهامُ العدوِّ،