أحدهما: أن فيهما قولين:

أحدهما: أن إدراك أول الوقت ملزم، فالحائض تَقْضِي تلك الصَّلاة، والمسافر يتم؛ لأن الصَّلاة تجب بأول الوقت، وقد أدركا وقت الوجوب.

والثاني: أنه لا يلزمها الصلاة ويجوز له القصر؛ لأن الاستقرار إنما يكون بآخر الوقتِ؛ ولهذا نقول: لو أخر الصَّلاة عن أول الوقت ومات لا يلقى الله تعالى عاصياً على الأصح.

والثاني: تقرير النَّصَّيْنِ.

والفرق أن الحيض مانع من الصَّلاَةِ، فإذا طَرَأَ انحصر وقت الإمكان في حَقِّهَا في ذلك القدر، وكأنها أدركت جميع الوقت بخلاف المسافر، فإن السَّفَرَ غيرُ مَانِعٍ، وأيضاً فإن الحيض لو أثر إنما أثر في إسقاط الصلاة بالكلية، والقول بالسقوط مع إدراك وقت الوجوب بعيدٌ، والسَّفر إنما يُؤَثِّرُ في كيفية الأداء لا في أصل الفعل، فأشبه ما لو أدرك العبد من الوقت قدر ما يصلي فيه الظهر ثم عتق، يلزمه الجمعة دون الظهر، وظاهر المذهب الفرف بين المسألتين على موجب النَّصين، وسواء أثبتا طريقة القولين أم لا، ونقل الأصحاب عن المزني، وابن سريج في مسألة المسافر أنه لا يقصر.

واعلم قوله في الكتاب: (يقصر) بالزاي لذلك، لكنه تخريج من المزني للشافعي -رضي الله عنه- خرجه من مسألة الحائض، وليس مذهبًا له؛ لأنا قدمنا عنه أنه لو ذهب جميع الوقت في الحضر، وفاتته الصلاة كان له القصر إذا قضاها في السفر، فهاهنا أولى، فإذًا لا يصح الإعلام بالزاي، وأما ابن سريج فإنه خرج من كل واحدة من المسألتين في الأخرى واختار عدم القصر، وقد ذكرنا تخريجه في الحائض من هذه المسألة في باب المواقيت في الفصل الثاني، ووافق أبو الطيب بن سلمة ابن سريج على أنه لا يقصر، لكن لا على الإطلاق، بل فيما إذا سافر ولم يبق من الوقت إلا قدر أربع ركعاتٍ، لأنه إذا ضاف الوقت تَعَيَّن عليه صلاة الحضر، فهذا مذهب ثَالِث: وراء القولين وإن سافر وقد بقي من الوقت أقل من قدر الصَّلاة فجواز القصر يبنى على أن من أوقع بعض صلاته في الوقت وبعضها خارجه، تكون جميع صلاته أداء أم لا، إن قلنا: نعم قصر، وإلا فلا.

وقوله: "والمسافر في آخر الوقت" ليس المراد منه الجزء الأخير بل المراد ما إذا سافر وقد مضى من أوله ما يسع الصلاة، وكذا قوله: (والحائض إذا أدركت أول الوقت، ثم حاضت) يعني أدركت منه ما يسع للصلاة ولو قال: ولو أدركت المرأة أول الوقت، ثم حاضت بدل الحائض، لكان أحسن، ولو سافر والماضي من الوقت دون ما يسع الصلاة فقد قال في "النهاية": ينبغي أن يمتنع القصر إن قلنا: إنه يمتنع لو كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015