طَرَأَتِ المَعْصِيَة فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ تَرَخَّصَ علَى النَّصِّ، وَفِي تَنَاوُلِ المَيْتَةِ وَمَسْحِ يَوْمٍ وَلَيلَةٍ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا لأنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ خَصَائِصِ السَّفَرِ.

قال الرافعي: القيد الثالث: كَوْنُ السفر مباحاً، وليس المراد من المباح -في هذا الموضع- ما خير بين طرفين واعتدلا، فإن الرخصة كما تثبت في سفر التجارة تثبت في سفر الطَّاعة كالحَجِّ والجهاد ونحوهما. وإنما المراد منه ما ليس بمعصية؛ وأما سفر المعصية فلا يفيد الرخصة (?)، خلافاً لأبي حنيفة والمزني. وذلك كهرب العبد من مولاه، والمرأة من زوجها، والغريم مع القدرة على الأداء، وكما إذا سافر ليقطع الطريق، أو ليزني بامرأة، أو ليقتل بريئاً.

لنا أن الرخصة أثبتت تخفيفاً وإعانة على السَّفَر، ولا سبيل إلى إعانة العاصي فيما هو عاص به، بخلاف ما لو كان السَّفَرُ مباحاً وهو يرتكب المعاصي في طريقه، فانه لا يمنع من السَّفَرِ، إنما يمنع من المعصية.

ولو أنشأً سفراً مباحاً، ثم نقله إلى معصية، ففيه وجهان:

أحدهما: أنه يترخص؛ لأن هذا السفر انعقد مباحاً مرخصاً، والشرط يراعي في الابتداء.

والثاني: لا يترخص كما لو أنشأ السفر بهذه النية؛ هكذا أرسل الجمهور ذكر الوجهين في المسألة، وكلامهم يميل إلى ترجيح الوجه الثاني، وقد صَرَّح به في "العدة"، ونسب في "النهاية" القول بالترخص إلى ظاهر النص، والثاني إلى تخريج ابن سريج، وتابعه في الكتاب، فقال: "ترخص على النص" والاقتصار عليه يفهم ظهور القول بالترخص، لكنه ذكر في "الوسيط" أن عدم الترخص أوضح كما حكيناه عن غيره.

ولو أنشأ السَّفَر على قصد مَعْصِيَة ثم تاب، وبدل قصده من غير تغيير صوب السفر؛ فالذي قاله الأكثرون في هذه الصورة، إن ابتداء سفره من ذلك الموضع إن كان منه إلى مقصده مسافة القصر - ترخص، وإلا فلا، وحكى في "النهاية" عن شيخه، أن عروض قصد الطاعة على سفر المعصية، كعروض قَصْدِ المَعْصِية على سَفَرِ الطَّاعة. فقياس ظاهر النَّصِّ أنه لا يترخص لفقد الشرط في الابتداء؛ وعند ابن سريج يترخص نظرًا إلى الحال.

وقوله في الكتاب: (وكذا على العكس) يوهم أنه يترخص في العكس؛ لأنه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015