ثم الأيام المحتملة معدودة مع الليالي لا محالة، وإذا نوى إقامة القدر الذي لا يحتمل، فيصير مقيماً في الحال، ولا يتوقف على انقضاء المدة المحتملة، ولو دخل ليلاً لم يحتسب بقية الليل، ويحتسب الغدو، وجميع ما ذكرنا في غير المحارب، فأما المحارب إذا نوى الإقامة قدرًا لو نواه غيره لصار مقيماً، ففيه قولان: حكاهما الشيخ أبو حامد وكثير من الأئمة.

أحدهما: لا يصير مقيماً وله القصر أبداً؛ لأنه قد يضطر إلى الارتحال فلا يكون له قصد جازم.

وأصحهما: أنه يصير مقيماً كغيره؛ وهذا هو الموافق لإطلاق لفظ الكتاب، والخلاف كالخلاف فيما لو قصد الإقامة في موضع لا يصلح لها.

وقوله: (أو مدة تزيد على ثلاثة أيام) معلم بالحاء والزاي؛ لأن عن أبي حنيفة لا يصير مقيماً إلاَّ إذا نوى إقامة خمسة عشر يوماً فصاعداً، وهو اختيار المزني.

وحكى عن مالك وأحمد مثل مذهبنا.

ويروى عن أحمد، أنه إن نوى اثنين وعشرين صلاة أتم، وإن نوى إقامة إحدى وعشرين فما دونها قصر؛ ويجوز أن يعلم بالألف أيضاً.

وقوله: (ليس فيها يوم الدخول والخروج) معلم بالواو؛ لأن على الأول من الوجهين المذكورين في كيفية الاحتساب لا يحتمل اليومان مع الثلاثة على الإطلاق.

الثالث: صورة الإقامة إذا زادت على ثلاثة أيام على الوجه الذي بينها فمهما عرض كله شغل في بلدة أو قرية، واحتاج إلى الإقامة لذلك فلا يخلو إما أن يكون ذلك الشغل بحيث يتوقع تنجزه لحظة فلحظة، وهو على عزم الارتحال متى تنجز أو يكون بحيث يعلم أنه لا يتنجز في الأيام الثلاثة كالتفقه والتجارة الكثيرة ونحوهما.

فأما في الحالة الأولى فله القصر إلى أربعة أيام على ما تقدم وصفها، ثم لا يخلو إما أن يكون على القتال أو خائفاً منه، أو لا يكون كذلك.

فإن كان على القتال أو خائفاً منه ففي المسألة طريقان:

أظهرهما: أن فيها قولين:

أحدهما: أنه ليس له القَصْرُ؛ لأن نفس الإقامة أبلغ من نية الإقامة، فإذا امتنع القصر بنية إقامة أربع فصاعداً، فلأن يمتنع بإقامتها كان أولى.

وأصحهما: أن له القَصْرَ؛ لأنه قد ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَقَامَ عَامَ الْفَتْحِ عَلَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015