وقال أبو حنيفة: القصر عزيمة، ولا تجوز الزيادة على الركعتين في الصَّلاة الرباعية، ولو صلى أربعاً فإن قعد في الثانية مقدار التشهد أجزأت الركعتان عن فرضه، والأخريان له نافلة، وإن لم يقعد مقدار التشهد بطلت صلاته؛ وهذا في المنفرد، وأما إذا اقتدى بمقيم سلّم أنه يتم.

وعن مالك روايتان:

إحداهما: كمذهبنا، والأخرى كمذهبه، واعلموا في نسخ الكتاب قوله: (وهو رخصة) بالحاء والميم إشارة إلى مذهبهما، وظني أن هذا الإعلام فاسد؛ لأن وصف الشيء بأنه رخصة قد يكون بالمعنى المقابل للعزيمة، وقد يكون بمعنى أنه جائز -يقال أرخص لفلان في كذا، أي: جوز له ذلك-، والأشبه أن المراد هاهنا المعنى الثاني؛ لأنه قال عند وجود السبب والمحل والشرط؛ ومعلوم أن الجواز يفتقر إلى هذه الأمور، سواء كان رخصة أو عزيمة، ولا يختص الافتقار إليها بالرخصة المقابلة للعزيمة، وإذا كان المراد أنه جائز فلا خلاف فيه حتي يعلم.

قال الغزالي: (الأَوَّلُ) السَّبَبُ وَهُوَ كُلُّ سَفَرٍ طَوِيلٍ مُبَاحٍ (ح) وَالمُرَادُ بِالسَّفَرِ رَبْطُ القَصْدِ بِمَقْصَدٍ مَعْلُومٍ، فَالهَائِمُ لاَ يَتَرَخَّصُ وَإنَّمَا يَتَرَخَّصُ المُسَافِرُ عِنْدَ مُجَاوَزَةِ السُّورِ أَوْ عُمْرَانِ البَلَدِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سُورٌ وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزِ المَزَارعَ والبَسَاتِينَ، وَيُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا عَلَى سُكَّانِ القَرَايَا أَعْنِي المَزَارعَ المَحُوطَةَ، وَعَلَى النَّازِلِ فِي الوَادِي أَنْ يَخْرُجَ عَنْ عُرْضِ الوَادِي، أَوْ يَهْبِطَ إنْ كَانَ عَلَى رَبْوَةٍ، أَوْ يَصْعَدَ إنْ كَانَ فِي وَهْدَةٍ، أَوْ يُجَاوِزَ الخِيَامَ إنْ كَانَ فِي حِلَّةٍ.

قال الرافعي: السبب المجوز للقصر السفر الطويل (?) المباح (?)، فهذه ثلاثة قيود:

أولها: السفر، وقد تكلَّم في معناه ثم في ابتدائه وانتهائه.

أما معناه: فلا بد فيه من ربط القصد بمقصد معلوم فلا رخصة للهائم الذي لا

يدري إلى أين يتوجه أكان طال سيره؛ لأن كون السَّفر طويلاً لا بد منه، وهذا لا يدري أن سفره طويل أم لا، والهائم هو الذي سماه راكب التعاسيف في باب الاستقبال، ويجوز أن يعلم قوله: (فالهائم لا يترخص) بالواو؛ لأن صاحب "البيان" حكى عن بعضهم فيه وجهين، بناء على القولين فيما إذا سلك الطريق الطويل وترك القصير لا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015