وترك المتابعة على التفسير المذكور لم يخل إما أن يساوق فعله فعل الإمام، وإما أن يتخلف عنه، أو يتقدم عليه.

الحالة الأولى: أن يساوق فعله فعل الإمام، أما التكبير فالمساوقة فيه تمنع انعقاد صلاة المأموم، خلافاً لأبي حنيفة.

لنا ظاهر قوله: "فَإذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا"، ويخالف الركوع وسائر الأركان، حيث تحتمل المساوقة فيها؛ لأن الإمام حينئذ في الصَّلاَةِ فينتظم الاقْتِدَاء به ولو شَكَّ في أن تكبيره هل وقع مساوقاً لم تنعقد صلاته أيضاً، ولو ظن أنه لاحق فبان خلافه فلا صلاة له، ويشترط تأخير جميع التكبير عن جميع تكبيرات الإمام، ويستحب للإمام أن لا يكبر حتى تستوي الصفوف، ويأمرهم بذلك مُتَلَفِّتًا يَمِيناً وشمالاً، وإذا فرغ المؤذن من الإقامة قَام النَّاسَ واشتغلوا بتسوية الصُّفوف.

وقال أبو حنيفة: يشتغلون به عند قوله: حَيَّ على الصَّلاة، وأما ما عدا التكبير، فغير السَّلام يجوز فيه المساوقة، وفي السَّلام وجهان:

أحدهما: أنه لا يجوز فيه المساوقة اعتباراً للتحلل بالتحرم.

والثاني: يجوز كسائر الأركان، وذكر بعضهم أن الوجهين مبنيان على أن نية الخروج هل تشترط؟ إن قلنا: نعم، فالسَّلام كالتكبير وإن قلنا: لا، فهو كسائر الأركان، والأصح من الوجهين أن المساوقة لا تضر، وهو المذكور في الكتاب.

وقوله: (لا بأس بالمساوقة إلا في التكبير) معلم بالواو؛ للوجه الصائر إلى إلحاق السلام بالتكبير، وليس المراد من قوله: (لا بأس) التسويغ المطلق، فإن صاحب "التهذيب" وغيره ذكروا أنه يكره الإتيان بالأفعال مع الإمام، وتفوت به فضيلة الجماعة، وإنما المراد: أنها لا تفسد الصلاة.

وقوله: (فإنه لا بد فيه من التأخير) معلم بالحاء.

وقوله: (والأحب التخلف في الكل مع سرعة اللحوق) المراد منه ما ذكرنا في تفسير المتابعة.

الحالة الثانية: أن يتخلف عن الإمام، وذلك إما أن يكون بغير عذر، أو بعذر، فإن تخلف من غير عُذْرٍ نظر، إن تخلف بركن واحد فقد حكى صاحب "النهاية" فيه وجهين:

أحدهما: أنه مبطل للصَّلاةِ؛ لما فيه من مخالفة الإمام.

وأظهرهما -وهو المذكور في الكتاب-: أنه غير مُبْطِلٍ. واحتج له بعضهم بما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ تُبَادِرُوني بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَمَهْمَا أسْبِقكُمْ بِهِ إِذَا رَكَعْتُ تُدْرِكُونِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015