الفصل يشتمل على بعض صوره، وهو ما لو وقف الإمام في مسجد والمأموم في موات متصل به فينظر، إن لم يكن بين الإمام والمأموم حائل فلا يشترط اتصال الصف لصحة الاقتداء، ولكن يجب أن يقف في حد القرب، وهو ما دون ثلاثمائة ذراع على ما سبق في الصحراء، ومن أين تعتبر المسافة؟ فيه وجهان:

أحدهما -وبه قال صاحب "التلخيص": إنها تعتبر من آخر صف في المسجد، فإن لم يكن فيه إلا الإمام فمن موقف الإمام؛ لأن الاتصال مرعي بينه وبين الإمام (لا بينه وبين المسجد).

وأظهرهما: أنها معتبرة من آخر المسجد؛ لأن المسجد مبنى للصلاة، فلا يدخل في الحد الفاصل؛ ولهذا لو بَعُد موقف المأموم فيه لم يضر.

وفيه وجه ثالث: أنه لو كان للمسجد حريم، والموات وراءه، فالمسافة تعتبر من الحريم، وحريم المسجد هو الموضع المتصل به المهيأ لمصلحته، كانصباب الماء إليه، وطرح الثلج والقمامات فيه.

وقوله: (فإن لم يكن الحائل) يدخل فيه ما إذا لم يكن بين المسجد والموات جدار أصلاً، وما إذا كان بينهما جدار، لكن الباب النافذ بينهما مفتوح، فوقف بحذائه، والحكم في الحالتين واحد، ثم لو اتصل الصف بمن وقف في المحاذاة وخرجوا عن المحاذاة جاز، ولو لم يكن في الجدار باب نافذ، أو كان ولم يقف بحذائه؛ بل عدل عنه ففيه وجهان عن الشيخ أبي إسحاق المروزي: أنه لا يمتنع الاقتداء، فإنه من جملة أجزاء المسجد.

وقال الْجُمْهُورُ: يمنع؛ لافتراقهما بسبب الحائل، والوجهان في جدار المسجد، فأما غيره فيمنع الاقتداء بلا خلاف.

وقوله: (وإن كان بينهما جدار لم يصح) يجوز أن يريد بين المسجد والموات، ويجب تقييده بما إذا لم يكن بينهما باب نافذ، ويجوز أن يريد بين الإمام والمأموم، وحينئذ يجب تقييده بما إذا لم يكن باب نَافِذ، أو كان ولم يقف بحذائه أحد، وإلاَّ فالاقتداء صحيح، وعلى التقديرين فقوله: (لم يصح) معلم بالواو؛ لما نقل عن أبي إسحاق وبالميم؛ لما سبق عن مالك، ولو كان بينهما باب مردود مغلق فهو كالجدار؛ لأنه يمنع الاستطراق والمشاهدة، ولو كان غير مغلق فهو مانع من المشاهدة دون الاستطراق، ولو كان بينهما مشبك فهو مانع من الاستطراق دون المشاهدة، ففي الصورتين وجهان:

أحدهما: أنه لا يمنع الاقتداء لحصول الاتصال من وجه، وهذا أصح عند إمام الحرمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015