الشرط فلو كان في بناء المأموم بيت على اليمين، أو اليسار اعتبر الاتصال بتواصل المناكب، فهذه طريقة، وبها قال القفال وأصحابه، وكلام القاضي ابن كج يوافقها، وقد حكي أصلها أبو علي صاحب "الإفصاح" عن بعض الأصحاب، لكنه اختار الثانية التي نذكرها.

والثالثة: أنه لا يشترط اتصال الصَّفِّ الواحد، ولا اتصال الصفوف في الصورة الثانية؛ بل المعتبر القرب والبعد على الضبط المذكور في الصحراء، وهذا إذا كان بين البنائين باب نافذ، فوقف بحذائه صف أو رجل، أو لم يكن جدارٌ أصلاً، كالصفة مع الصحن، ولو كان بينهما حائل يمنح الاستطراق دون المشاهدة [كالمشبكات فقد ذكروا فيه وجهين، وإن كان يمنع الاستطراق والمشاهدة] (?) جميعاً لم يجز الاقتداء باتفاق الطريقين؛ نعم، إذا صح اقتداء الواقف في البناء الآخر، إما بشرط الاتصال، أو دونه، فتصح صلاة الصفوف خلفه، وإن كان بينهم وبين البناء الذي فيه الإمام جدار تبعاً له وهم معه كالمأمومين مع الإمام، حق لا يجوز الصَّلاةِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وإن كان متأخراً عن سمت مَوْقِف الإمام إذا لم نجوز التقدم على الإمام، وهو الصحيح، وعن القاضي الحسين تفريعاً على هذا الأصل: أنه لا يجوز أن يتقدم تكبيرهم على تكبيره، وهذه الطريقة الثَّانية حكاها الشَّيخ أبو محمد عن أصحاب أبي إسحاق المروزي، وهي التي يوافقها كلام معظم أصحابنا العراقيين.

ولو وقف الإمام في صحن الدًار والمأموم في مكان عالٍ من سطح، أو طرف صفة مرتفعة، أو بالعكس منه، فبماذا يحصل الاتصال؟ ذكر الشيخ أبو محمد: أنه إن كان رأس الواقف في السُّفل يحاذي ركبة الواقف في العلو جاز الاقتداء، وإن زاد عليه امتنع.

وقال الأكثرون: إن حاذى رأس من في السفل قدم على من على العلو حصل الغرض، وجاز الاقتداء، قال إمام الحرمين: وهذا هو المقطوع به، ولست أرى لذكر الركبة وجهاً؛ أما اعتبار محاذاة شيء من بدن هذا شيئاً من بدن ذاك فمعقول، وإذا كان الانخفاض والارتفاع قدر ما لا يمنع القدور، فلو كان بعض الدين يحصل بهم الاتصال عند اختلاف البنائين على سرير أو متاع، وبعضهم على الأرض لم يضر، ولو كانوا في البحر والمأموم في سفينة والإمام في أخرى، وهما مكشوفتان فظاهر المذهب: أنه يصح الاقتداء إذا لم يزد ما بين الإمام والمأموم على ثلاثمائة ذراع، كما في الصَّحَرَاء، والسفينتان كدكتين في الصَّحَرَاء، يقف الإمام على إحداهما، والمأموم على الأخرى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015