وأما السن فقد قال الأصحاب: المعتبر أن يمضي عليه في الإسلام فلا يقدم شيخ أسلم اليوم على شاب نشأ في الإسلام، ولا على شاب أسلم أمس، والظاهر أنه لا تعتبر الشيخوخة، وإنما النظر إلى تفاوت السِّنِّ على ما يشعر به قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فَأكْبَرهُمْ سِنًّا" وأشار بعضهم إلى أن النظر إلى الشيخوخة.
وأما النسب فلا خلاف أن نسب قريش معتبر، وهل يعتبر غيره؟.
قال في "النهاية" رأيت في كلام الأئمة تردداً فيه، والظاهر: أنه لا يختص بالانتساب إلى قريش، بل تراعى كل نسب يعتبر في الكفاءة في "باب النكاح"، كالانتساب إلى العلماء والصُّلَحَاءِ؛ وعلى هذا فالهاشمي والمطلبي يقدمان على سائر قريش، وسائر قريش يقدمون على غيرهم، ثم يقدم العرب على العجم، وأما الهجرة فمن هاجر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقدم على من لم يهاجر، ومن تقدمت هجرته يقدم على من تأخرت هجرته، وكذلك الهجرة بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- من دار الحرب إلى دار الإسلام (?) معتبرة، وأولاد من هاجر، أو تقدمت هجرته يقدمون على أولاد غيرهم، وهذا التقديم في الأولاد يندرج تحت شرف النسب، هذه مقدمة الفصل، ويتلوها مسائل:
احداها: لو اجتمع عدل وفاسق، فالعدل أولى بالإمامة، وإن اختص الفاسق بزيادة الفقه والقراءة وسائر الأفضال؛ لأن الفاسق يخاف منه أن لا يحافظ على الشرائط، وفي لفظ الكتاب إشارة إلى هذا حيث قال: "والأفقه الصالح ... " إلى آخره فشرط الصَّلاَحِ في تقديم الأَفْقَه على غيره، وبالغ مالك فمنع الاقتداء بالفاسق بغير تأويل، كشارب الخمر، والزاني، وعنه روايتان في الفاسق بالتأويل، كمن يسب السَّلَفَ الصَّالِحَ.
وعن أحمد روايتان في جواز الاقتداء بالفاسق مطلقاً:
أصحهما: المنع، ونحن اقتصرنا على الكراهة، وجوزناه؛ لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِر" (?). ويمكنك أن تستدل بكراهة الاقتداء بالفاسق على كراهة الاقتداء بالمبتدع بطريق الأولى؛ لأن فسق الفاسق يفارقه في الصَّلاة، واعتقاد المبتدع لا يفارقه، وهذا فيمن لا يكفر ببدعته، أما من يكفر فلا يجوز الاقتداء به، كما سبق، وعند صاحب "الإفصاح" من يقول بخلق القرآن (?)، أو بنفي شيء من صفات الله تعالى ممن