(الأُوْلَى) فِي تَعْجِيلِ تَسْرِيَةِ الاسْتِيَلادِ تَجْرِي فِيهِ الأَقْوَالُ، وَالعِتْقُ أَوْلَى بِالتَّعْجِيلِ لِأَنَّهُ تَنْجِيزٌ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ لِأَنَّ الاسْتِيلاَدَ فِعْلِيٌّ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: متى تَثْبُتُ السِّرَايَةُ حيث يحكم بها فيه ثلاثة أَقْوَالٍ: أَصَحُّهَا -وبه أَجَابَ في "اختلاف الحديث"، و"اختلاف العِرَاقِيِّينَ" و"كتاب الوَصَايَا" أنها تثبت بنفس إعتاق الشريك، وبه قال أَحْمَدُ؛ لما روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ وَكَانَ لَهُ مَالٌ فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ" (?). وَيُرْوَى: "فَهُوَ حُرٌّ كُلُّهُ" وَيُرْوَى "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ فَهُوَ عَتِيقٌ" (?) ولأن يساره بقيمة الباقي أقيم مقام كون الباقي له في اقْتِضَاءِ السِّرَايَةِ فيحصل بنفس اللفظ كما لو أَعْتَقَ بعَضَ عبده، ولأن الباقي مُقَوَّمٌ عليه على ما مر في الخبر، والتقويم عليه يُشْعِرُ بِحُصُولِ الاتلاف.
والثاني: ويحكى عن القديم وغيره وبه قال مَالِكٌ: أن السِّرَايَةَ لا تحصل إلاَّ إِذَا أَدَّى قيمة نصيب الشريك؛ لأن التقويم لإزالة الضرر عن العبد والشريك، وفي إزالة ملك الشريك قبل حصول العوض إِضْرَارٌ به، فإنَّه قد يَفُوتُهُ بِهَرَبٍ وغيره، والضَّرَرُ لا يزال بالضَّرَرِ ولذلك نقول: يتوقف التملك بالشُّفْعَةِ على تسليم العوض.
والثَّالِثُ: أنا نَتَوَقَّفُ فإن (?) أَدَّى القيمة؛ بَانَ حصول العتق من وقت اللفظ وإن فَاتَ؛ تَبَيَّنَّا أنه لم يُعْتَقْ، وَوُجِّهَ بِأَنَّ الحكم بالعتق يَضُرُّ بالسيد [والتأخير] (?) إلى أداء القيمة يضر بالعبد، والتَّوَقُّفُ أقرب إلى العدل، ورعاية الجانبين، وهذا القول فيما ذكر بعضهم مَخْرَجٌ للأصحاب. والأكثرون قالوا: هو منصوص في البويطي وَحَرْمَلَةَ، ويجوز أن يعلم لما بينا قوله في الكتاب: "فَتَتَعَجَّلُ السِّرَايَةُ" بالميم.
وقوله: "وَيتَوَقَّفُ عَلَى أَدَاءِ القِيمَةِ" بِالأَلِفِ وقوله: "ويتبين إسناد العتق". بهما جميعاً. وَاعْلَمْ أنه ساعد المُزَنِيَّ على اختيار القول الأول مُعْظَمُ اَلأَصْحَاب -رحمهم الله تعالى- لكن ضَايَقُوه في التوجيه والتعليل على دَأَبِهِمْ مَعَهُ، وأكثر ما احتجَّ به من الوجوه يصلح للترجيح ولم أُطَوِّلْ بِحِكَايَتِهَا فيتعلق بالأقوال، وَيتَفَرَّعُ عليها مسائل مذكورة في