ثم احتج بعض الرواة (?) فقال: لو لم تَكُنِ القِيَافَةُ عِلْماً، لم يكن لها اعْتِبَارٌ، ولا عليها اعْتِمَاد، لمنعه من المُجَازَفَةِ. وقال له: لا تَقُلْ مِثلَ هذا؛ فإنك إن أَصَبْتَ في شيء، أَخْطَأتَ في غيره، وكان في خِطَابِكَ قَذْفُ مُحْصَنَةٍ، وَنَفْيُ نَسَبٍ.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- لا يُقِرُّ إلا على الحَقِّ، ولا يُسَرُّ إلا بالحَقِّ.
قال الأَئمَّةُ -رحمهم الله-: وسَبَبُ سُرُورِهِ بما قال مجزز؛ أن المشركين كانوا يَطْعَنُونَ في نَسَبِ أُسَامَةَ؛ لأنه كان طَوِيلاً، أَفْتَى الأَنْفِ، أَسْوَدَ، وكان زيد قَصِيراً، أَخْنَسَ الأَنْفِ، بين السَّوَادِ والبياض، وقصد بعض المُنَافِقِينَ بالطَّعْنِ، مغايظة (?) رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنهما كانا حِبَّيْهِ. فلمّا قَالَ المُدْلَجِيَّ ذلك، وهو لا يرَى إلا أَقْدَامَهُمَا، سُرَّ به.
ورُوِيَ أن عمر -رَضِيَ الله عنه- دعا قَائفَاً في رَجُلَيْنِ، ادعيا مَوْلُودًا (?)، [وشَكَّ أَنسُ بْنُ مالك -رضي الله عنه-[في ابن له] (?)، فدُعِيَ له القَائِفُ (?). وساعدنا مالك، وأحمد -رحمهم الله- فيما رَوَى الشيخ أبو حَامِدٍ وغيره على اعْتِبَارِ قول القَائِفِ.
وقال أبو حَنِيْفَةَ: لا اعْتِبَارَ به، ومما يُتَعَجَّبُ منه في شَأْنِ القِيَافَةِ، ما حكى الصَّيْدَلاَنِيُّ وغيره عن القَفَّالِ عن الشيخ أبي زَيْدٍ عن أبي إِسْحَاقَ قال: كان لي جَارٌ بـ"بغداد"، له مَالٌ ويَسَارٌ، وكان له ابن يَضْرِبُ إلى السَّوَادِ، ولون الرجل لا يُشْبِهُهُ، فكان يُعَرَّضُ بأنه لَيْسَ منه. قال: فَأَتَاني، وقال: عَزَمْتُ على الحَجِّ، وأكثر قَصْدِي أن أَسْتَصْحِبَ ابني، وأُرِيَهُ [بعض] (?) القَافَةِ، فَنَهَيْتُهُ، وقلت: لَعَلَّ القَائِفَ يقول بَعْضَ مَا تَكْرَهُ، وليس لك ابْنٌ غيره. فلم يَنْتِهِ، وخرج. فلما رجع قال لي: اسْتَحْضَرْتُ مدلجياً، وأَمَرْتُ بِعَرْضِهِ عليه في عدة (?) رجال، كان فيهم الذي يُرمى (?) بأنه منه، وكان معنا في الرُّفْقَةِ، وغِبْتُ عن المَجْلِسِ، فنظر القَائِفُ فيهم، فلم يُلْحِقْهُ بأحدهم، فَأُخْبِرْتُ بذلك،