وإن كان قبل الحكم سُئِلَ: متى قَضَاهُ؟ فإن قال: قبل أن شَهِدت، فكذلك الجَوَابُ عند صاحب "التلخيص".
وذكر فيما إذا شَهِدَ على إِقْرَارِهِ بالدَّيْنِ شَاهِدَانِ، ثم عاد أَحَدُهُمَا، وقال: إنه قَضَاهُ، أو أَبْرَأَهُ المستحق، بعد أن شهدت: أن شَهَادَتَهُ لا تَبْطُلُ. بل يُقْضَى بالدَّيْنِ، ويُؤْخَذُ، إلا أن يَحْلِفَ المدعى عليه مع شَاهِدِ القَضَاءِ، والإِبراء.
والفَرْقُ: أن هناك شَهِدَ على نفس الحَقِّ، والقَضَاءِ، والإِبْرَاءِ، يُنَافِيَانِهِ، فَبَطَلَتِ الشَّهَادَةُ. وهاهنا شهد على الإِقْرَارِ، والقَضَاءِ، والإِبْرَاءِ، لا يُنَافِيَانِهِ، فلا تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ.
وعن أبي زيد وَجهٌ: أن شَهَادَتَهُ على نفس الحَقِّ، لا تبطل أيضاً.
والظاهر، الفرقُ وَيَقْرُبُ من هذا الخِلاَفِ فيما إذا ادعى أَلْفاً، وشَهِدَ له شَاهِدَانِ بألف مُؤَجَّلٍ، ولكن قال أحدهما قُضَيَ منه خمسمائة.
ففي وَجْهٍ: لا تَصِحُّ شهادتهما إلا في خمسمائة، نعم لِلْمُدَّعِي أن يَحْلِفَ للخمسمائة الأخرى مع الشَّاهِدِ الآخر.
وفي وجه: تَصِحُّ شَهَادَتُهُمَا على الأَلْفِ، وللمدعى عليه أن يَحْلِفَ مع شاهد القَضَاءِ. وذكر الفوراني وَجْهاً آخر: أنه لا يثبت بشهادتهما شَيْءٌ؛ لأنهما لم يَتَّفِقَا على ما ادَّعَاهُ. ويقرب من الخِلاَفِ قولان لابن سُرَيْجٍ، فيما إذا شَهِدَ اثْنَانِ: أن فلاناً وَكَّلَ فُلاَناً، ثم عَادَ أحدهما، وقال: إنه عَزَلَهُ بعد أن شَهِدت (?).
ففي قول: تَبْطُلُ شهادته. وفي قول: قد تَمَّتْ شَهَادَةُ الوِكَالَةِ، فَيُعْمَلُ بها، والعَزْلُ لا يثبت بواحد.
ادَّعَى شريكان فَصَاعِداً حَقّاً على إنسان، فَأَنْكَرَهُ، يحلف لكل (?) واحد يَمِيناً، فإن رَضِيَ الكُلُّ بيمين وَاحِدَةٍ، فوجهان:
في أحدهما: يجوز؛ لأن الحَقَّ لهم.
وفي الثاني: لا يجوز [كما لا يجوز] (?) الحكم بشاهد وَاحِدٍ، كان رضي الخَصْمُ (?). شهد اثْنَانِ على أن المَيِّتَ أَوْصَى بعِتْقِ غَانِمٍ، وهو ثُلُثُ مَالِهِ، فحكم الحاكم بِعِتْقِهِ، ثم رَجَعَا عن الشَّهَادَةِ، وشَهِدَ آخَرَانِ: أَنه أوصى بِعِتْقِ سَالِمٍ، وهو ثلث [ماله] (?)