والثاني: أن الوَجْهَ الثَّانِي على ما أَشَارَ إليه في الكتاب، مَأْخُوذٌ من مسألة الظَّفَرِ بغير الجِنْسِ، وحينئذ فالحُجُودُ بناء على جعل شيء، في مُقَابِلِهِ شيء، كأنه مُصَّورٌ، فيما إذا عرف المرتهنُ في الصُّورَةِ الأولى جُحُودَ الرَّاهِنِ الرَّهْنَ، والدين، قيل: إن ادعى الرَّاهن عليه أن له في يَدِهِ كذا، وعَرَفَ الرَّاهِنُ في الصورة الثانية، جحُودُ المرتهنِ كَوْنَ العَبْدِ في يده قبل أن يَدَّعِيَ العَبْدُ عليه، فأما إذا لم يَعْرِفِ الحجود من قبل، فربما لا يَجْحَدُ صَاحِبُهُ، لو أقر فكيف يَجُوزُ له الإِنْكَارُ بالوَهْمِ؟ وكيف نعرف شيئاً بشيء ولم نعرف جحود الخَصْمِ، وتعذر حصول (?) الحق منه.
ادَّعَتْ على رَجُلٍ أَلْفاً صَدَاقاً، يكفيه أن يَقُولَ في الجَوَابِ: لا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُ شَيْءٍ إليها، قيل لِلْقَفَّالِ: هل للقاضي أن يَقُولَ: هل هي زَوْجَتُكَ؟ فقال: ما للقاضي ولهذا السؤال. لكن لو سأل فقال: نعم. قَضَى عليه بِمَهْرِ المِثْلِ، إلا أن يُقِيمَ البَيِّنَةَ، أنه نَكَحَهَا بكذا. ولا يلْزَمُهُ أَكْثَرُ منه (?).
قَالَ الْغَزَالِيُّ: الثَّالِثةُ: إِذَا ادَّعَى علَيْهِ مِلْكاً فَقَالَ: لَيْسَ لِي إنَّمَا هُوَ وَقْفٌ عَلَى الفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى وَلَدِي أَوْ هُوَ مِلْكُ طِفْلِي انْصَرَفَتِ الخُصُومَةُ عَنْهُ وَلاَ يُمْكِنُ تَحْلِيفُ الطِّفْلِ وَلاَ وَليُّهُ وَلاَ يُنْجِي إلاَّ البَيِّنَةُ، وَإِنْ قَالَ: لَيْسَ لِي أَوْ هُوَ لِمَنْ لاَ أُسَمِّيهِ لَمْ يَنْصَرِفْ عَنْهُ الخُصُومَةُ، وَقِيلَ: يَأْخُذُهُ القَاضِي إِلَى أَنْ يُقِيمَ حُجَّةً لِمَالِكٍ، وَلَوْ قَالَ: هُوَ لِفُلاَنٍ فَيَحْضُرُ فَإِنْ صَدَّقَهُ انْصَرَفَتِ الخُصُومَةُ عَنْهُ وَلَوْ كَذَّبَهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّ القَاضِيَ يَأْخُذُهُ لِيَتَبَيَّنَ مُسْتَحَقَّهُ، وَقِيلَ: يُسَلَّمُ إِلَى المُدَّعِي إِذْ لاَ مُنَازعَ لَهُ، وَقِيلَ: يُتْرَكُ فِي يَدِهِ إِلَى قِيَامِ حُجَّةٍ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا ادَّعَى عَقَاراً، أو مَنْقُولاً على إنسانٍ؛ فقال المدعى عليه: إنه ليس لي، فينظر؛ أيقتصر (?)؟ أو يضيفه إلى مَجهُولٍ؟ أو يضيفه إلى معلوم؟
الحالة الأولى والثَّانية أن يَقْتَصِرَ عليه، أو أَضَافَهُ إلى مَجْهُولٍ، فإن قال: هو لرجل لا أَعْرِفُهُ، أو لا أُسَمِّيهِ، ففي انْصِرَافِ الخُصُومَةِ عنه، وانْتِزَاعِ المال من يَدِهِ، وجهان عن ابن سُرَيْجٍ: