وأما استشهاد الأَوَّلين بِدَعْوَى استحقاق المال؛ فإن كان المُدَّعَى نَفْسَ المال، فإنما اكتفى بالإطْلاَقِ؛ لأن الأَسْبَابَ التي يستحقّ بها المال تَكْثُرُ، وَتَتَكَرَّرُ، وفي ضَبْطِ الأَقْدَارِ الحَاصِلَةِ بتلك الأَسْبَابِ حَرَجٌ شَدِيدٌ، فَأَغْنَى عنه، بخلاف النِّكَاحِ.
وإن كان المُدَّعِي عَقْداً يرد على المال، كالبَيْعِ، والهِبَةِ، والإِجَارَةِ، فثلاثة أوجه:
أحدها: وينسب إلى ابن سُرَيْجٍ أنه لاَ بُدَّ من التَّفْصِيلِ، والتَّعَرُّضِ لِلشَّرَائِطِ كالنكاح.
والثاني: الفَرْقُ بين أن يَتَعَلَّقَ العَقْدُ بِجَارِيَةٍ، فيجب التَّفْصِيلُ (?) احْتِيَاطاً للبُضْعِ. وبين أن يَتَعَلَّقَ بغيرها، فلا يَجِبُ.
والثالث: وهو الأصح: أنه لا حَاجَةَ إلى التَّفْصِيلِ؛ لأن المَقْصُودَ، المال. والعُقُود المالية أَخَفُّ حُكْماً من عَقْدِ النكاح، ولذلك لا يُشْتَرَطُ فيها الإشهاد، وإن تَعَلَّقَ العَقْدُ بِجَارِيَةٍ، والنكاح بخلافه.
وأما أنه لا يجب التَّعَرُّضُ للموانع، ففيه -نزَاعٌ؛ لأن الشيخ وأَبَا عاصم رويا عن الأستاذ أن محمد بن إبْرَاهِيمَ العَبَّادي (?) من أَصْحَابِنَا -رحمهم الله- أَوْجَبَهُ، والصحيح التسليم. وفَرَّقُوا بأن الشُّرُوطَ تُعْتَبَرُ وجودها (?)، ليصحَّ العَقْدُ، والموانع يُعْتَبَرُ عَدَمُهَا، والأصل العَدَمُ، فَاكْتُفِيَ به، ولأن المَوَانِعَ كَثيرةٌ، وعَدُّهَا عَسِيرٌ.
التفريع: إن شرطنا التَّفْصِيلَ في النكاح، فنقول: نكحها (?) بِوَليِّ وشَاهِدَيْنِ. والأشهر: أنه لاَ بُدَّ من وَصْفِهِمْ بالعَدَالَةِ. قالوا: وإنما لم يَتَعَرَّضِ الشَّافعي -رضي الله عنه- لِعَدَالَةِ الوَلِيِّ في النص (?) المَنْقُولِ في أَوَّلِ الفصل، بِنَاءً على أن الفَاسِقَ ليس بِولِيٍّ، أو أراد رد لفظ العَدْلِ إلى الوَلِيِّ، والشاهدين جميعاً.
وحكى ابن الصَّبَّاغِ وَجْهاً آخر: أنه لا حَاجَةَ إلى التَّعَرُّضِ [للعدالة، وقياس