فيه وجهان:
أحدهما: نعم، لِلْعِلْمِ بأنه الغَرَضُ من الحضور، وإِنْشَاءِ الدعوى. وهذا أظهر عند ابن الصَّبَّاغِ.
والثاني: لا؛ لأنه حَقُّهُ، فلا يُسْتَوْفَي إِلاَّ بسُؤَالِهِ، واقْتِرَاحِهِ، كاليمين. وهذا مَذْهَبُ أبي حَنِيْفَةَ، فيما حكى القاضي أبو سَعْدٍ، وذكر أنه الأَصَحُّ، فإن أصل الوَجْهَيْنِ المُعَاطَاةُ في البيع، والخلاف في أنه إذا جَلَسَ بين يدي حَلاَّقٍ فَحَلَقَ، هل يَسْتحِقُّ الأُجْرَةَ؟
وعلى الثاني فطلب الجَوَاب أيضاً شَرْطٌ في صِحَّةِ الدعوى، وسواء شَرَطْنَا هذا الاقْتِرَاحَ من المدعى، أو لم نشترطه، لكنه اقْتَرَحَهُ. فيمكن أن يُقَالَ: يغني ذلك عن قوله: ويلزمه التسليم إِلَىَّ. وإن مَنْ شَرَطَ التَّعَرُّضَ له، شَرَطَهُ جَوَابًا على أنه لا يُشْتَرَطُ الاقْتِرَاحُ المَذْكُورُ من الدعوى.
لا يُشْتَرَطُ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى أن يُعْرَفَ بينهما مُخَالَطَةٌ أو مُعَامَلَةٌ، ولا فرق فيه بين طبقات الناس.
وعن مالك: أنه لا تُسْمَعُ دعوى الدَّنِي على الشَّرِيفِ، إذا لم يُعْرَفْ بينهما سَبَبٌ.
وعن الإصْطَخْرِيِّ: أنه إذا شهدت قَرَائِنُ الحال بكَذِب المدعى، لم يلفت إلى دعواه؛ مثل أن يَدَّعِي الدَّنِيءُ اسْتِئْجَارَ الأَمِيرِ، أو الفقيه لِعَلَفِ دَوَابَّهِ، وكَنْسِ بَيْتِهِ، ومثل دعوى المعروف بالتعنُّت، وجَرَّ ذَوِي الأَقْدَارِ إلى مجلس القُضَاةِ، [واستحلافهم] (?) ليفتدوا بشيء.
آخر: ادَّعى مَالاً مَعْلُوماً على إِنْسَانٍ، وأقام شَاهِدَيْنِ على إقراره بشيء، أو قالا (?): يعلم أن له عليه مَالاً، ولا نعرف قَدْرَهُ. هل تُسْمَعُ شَهَادَتُهُمَا هكذا؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم، ويُرْجَعُ في التفسير إلى المَشْهُودِ عليه، كما لو أَقَرَّ بِمُبْهَمٍ.
وأشبههما: المَنْعُ؛ لأن من شَأْنِ البَيِّنة أن تُبَيِّنَ، وليست كالإِقْرَارِ؛ إذ يُشْتَرَطُ فيها ما لا يُشْتَرَطُ في الإِقْرَارِ؛ حكى الوجهين صاحب "التهذيب" في بَاب الإِقْرَارِ، وذكرها غَيْرُهُ أيضاً. وعلى هَذا الخِلاَفِ ما إذا شَهِدَا على غَصْبِ عَبْدٍ، أو ثَوْبٍ، ولم يَصِفَاهُ (?).