ولو رجع الأُصُولُ، والفُرُوعُ جميعاً، فالغُرْمُ على شهود الفَرْعِ؛ لأنهم يُنْكِرُونَ إِشْهَادَ الأُصُولِ، ويقولون: كذبنا فيما قلنا، والحُكْمُ وقع بِشَهَادَتِهِمْ، وحيث وَجَبَ على الرَّاجِعِ عُقُوبَةٌ من قِصَاصٍ، أو حَدِّ قَذْفٍ، دخل التَّعْزِيرُ فيها. فإذا لم تجب عُقُوبَةٌ، واعترف بالتعمد، فَيُعَزَّرُ.

ولو شَهِدَ أَرْبَعَةٌ على إِنْسَانٍ بأربعمائة، ثم رَجَعَ وَاحِدٌ منهم عن مائة، وآخَرُ عن مائتين، وثالِثٌ عن ثلاثمائة، والرَّابعُ عن الجَمِيع؛ فالبَيِّنَةُ بَاقِيَةٌ بِتَمَامِهَا في مائتين، وأصح الوَجْهَيْنِ: أنه لا يجب غُرْمُهُمَا، وَيجِبُ على الأربعة غُرْمُ المائة. المَرْجُوعِ عنها باتِّفَاقِهِمْ، وعلى الثاني، والثالث، والرابع، ثَلاثةُ أرباع المائة التي اختَصُّوا بالرُّجُوعِ عنها.

والوجه الثاني: أن عَلَى كُلِّ رَاجِعٍ حِصَّته فيما رجع عنه، فعلى الأَوَّل، خمسة وعشرون، وعلى الثَّاني خمسون، وعلى الثالث خمسة وسبعون، وعلى الرابع، مِائَةٌ.

والشَّهَادَةُ على الطَّلاَقِ الرَّجْعِيِّ، والرجوع عنها، هل تَقْتَضِي غُرْماً؟ فيه تفصيل، وخِلاَفٌ أَسْلَفْنَاهُمَا. قال أبو الحَسَنِ العَبَّادِيُّ: إن أَوْجَبْنَا الغُرْمَ في الحال، وغرم الشهود، ثم راجعها الزَّوْجُ، فهل عليه رَدُّ ما أخذ؟

فيه احتمالان؛ بِنَاءً على ما إذا وَطِئَ الرَّجْعِيَّةَ، ثم رَاجَعَهَا -هل يَلْزَمُهُ المَهْرُ؟

قَالَ الْغَزَالِيُّ: أَمَّا إِذَا ظَهَرَ كَوْنُ الشَّاهِدِ عَبْدَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ أَوْ صَبِيَّيْنِ بَانَ بُطْلاَنُ القَضَاءِ وَانْدَفعَ الطَّلاَقُ وَالعِتَاقُ، وَإِنْ كَانَ فِي قَتْلٍ وَجَبَ الغُرْمُ عَلَى القَاضِي لِخَطَئِهِ، وَفِي رُجُوعِهِ عَلَى الشُّهُودِ كَلامٌ سَبَقَ فِي مَوْضِعِهِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا قَضَى القاضي بشَهَادَةِ اثنين، ثم بَانَ أنهما كَانَا عَبْدَيْنِ، أو كافرين، أو صَبِيَّيْنِ مُرَاهِقَيْنِ، [فقد] (?) مَرَّ في آخر الباب الأول من الشَّهَادَاتِ، أنه [يُنْقض] (?) حُكْمُهُ، وكذا لو [بانا] (?) فاسِقَيْنِ في أَصَحِّ القولين.

وقوله هاهنا: "بان بُطْلاَنُ الحكم" إِشَارَةً إلى ما ذكره الإِمَامُ؛ أن القَضَاءَ ليس أَمْراً يعقد ويحلّ، وإنما المُرَادُ تَبَيُّنُ الأَمْرِ على خلاف ما ظَنَّهُ، وحَكَمَ به (?)، فإن كان المَشْهُودُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015