وعن ابن أبي هُرَيْرَةَ: أنه يجوز تَقْدِيمُ اليَمِينِ، كما يجوز أن تَتَقَدَّمَ شَهَادَةُ المَرْأَتَيْنِ على شَهَادَةِ الرَّجُلِ. حكاه عنه القَاضِي أبو حَامِدٍ، فيما ذكره الشيخ أبو حَامِدٍ.
وللإمام: احتمال التَّقْدِيمِ على تَعْدِيلِ الشَّاهِدِ، ويجب أن يَتَعرَّضَ المُدَّعِي في اليَمِينِ بِصِدْقِ الشاهد، فيقول: وَاللهِ إن شَاهِدِي لَصَادِقٌ، وإني مستَحِقٌّ لكذا.
قال الإِمام: ولو قَدَّمَ ذِكْرَ الحَقِّ، وأَخَّرَ تَصْدِيقَ الشَّاهِدِ، فلا بَأْسَ ولم أجد أحداً يُضَايقُ فيه، وَوَجَّهُوا اشْترَاطَ التَّعَرُّضِ لِصِدْقِ الشاهد؛ بأن اليمين والشهادة حُجَّتَانِ مختلفتا (?) الجنس، فاعْتُبِرَ ارْتِبَاطُ أحدهما بالآخر، ليصيرا كالنَّوْعِ الوَاحِدِ. وهذا التَّوْجِيهُ قَوِيٌّ أم ضعيف؟ إنما يَنْتَظِمُ على قول من يقول باسْتِنَادِ القَضَاءِ إليهما جَميعاً.
وإذا فَسَقَ الشَّاهِد بعد القضاء لم يُنْقَضِ الحُكْمُ، وإن فَسَقَ قَبْلَهُ صار كَأَنْ لا شَاهِدَ، فيحلف المُدَّعى عليه، فإن نَكَلَ رُدَّ اليَمِينُ على المُدَّعِي، ولم يعتد بما مَضَى، ولو لم يَحْلِفْ المُدَّعي مع شَاهِدِهِ، وطَلَبَ يَمِينَ الخَصْمِ، فله ذلك، فإن حَلَفَ سَقَطَتِ الدَّعْوَى.
قال ابن الصَّبَّاغِ: وليس له أن يَحْلِفَ بعد ذلك مع شَاهِدٍ، بخلاف ما لو أقام بَيِّنَةً بعد يَمِينِ المدَّعَى عَلَيْهِ، حيث يسمع؛ لأن البَيِّنَةَ قد يتَعذَّرُ عليه إِقَامَتُهَا [بعُذْرٍ] (?)، واليمين إليه بعد شَهَادَةِ الشاهد الواحد فلا عُذْرَ له في الامْتِنَاع، وإن نَكَلَ المُدَّعَى عَلَيْهِ (?)، فأراد المُدَّعِي أن يَحْلِفَ يمين الرَّدِّ، فقولان:
أصحهما: أنه يُمَكَّنُ منه، وهذه الصُّورَةُ مَذْكُورَةٌ في الكتاب؛ في "باب دَعْوَى الدَّم"، ويجريان فيما إذا ادَّعى مَالاً، ونَكَلَ المُدَّعَى عَلَيْهِ، ولم يَحْلِفِ المدعى يمين الردّ، ثم أقام شاهداً واحداً، وأراد أن يحلف معه، فإن قلنا: ليس له أن يَحْلِفَ يَمِينَ الرَّدِّ، فالمَنْقُولُ؛ أنه يحبس المُدَّعَى عَلَيْهِ حتى يَحْلِفَ، أو يقر لأن يمينه حَقُّ المُدَّعِي، فلا يتمكن من إِسْقَاطِهِ.
لكن على هذا القول التَّقْصِير منه حيث لم يَحْلِفْ مع شَاهِدِهِ، فيما ينبغي أن يحلف المُدَّعَى عليه (?).