صلى الله عليه وسلم- قال في مَعْرِضِ الذَّمِّ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يُعْطُونُ الشَّهِادَةَ قَبْلَ أنْ يُسْأَلُوهَا (?) وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "خَيْرُ الشُّهَدَاءِ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا" (?) فَجُمِعَ بين الحديثين بحَمْلِ الثاني على ما يجُوز المبادرةُ إليه وحُمِلَ الأولُ عَلَى ما لا يجوز، والمبادرةُ أن يشهد من غير تقدُّم دعوى، فإِن شهد فِي غَيْر موضْح الحاجة بعْد الدعْوَى، وقبل أن يستشهد، فوجهان:
أحدُهِما: القبول؛ لأنَّه شهِدَ وقْتَ الحاجة إلَى إقامة البيِّنة، والأظهرُ المَنْع للتُّهمة، ولفظ الخَبَر الأوَّل شهد له، وهو الذي أورده في "التَّهْذيب" وإذا ردَدْنا شهادة المُبَادر، ففي صيرورته مجروحًا وجهان مشهوران في كَلاَم الأصحاب -رحمهم الله- أشبههما المنع ويحكى القطع عن أبي عاصم العبادي إن كانت المبادرة عن جهل منه وظاهر هذا الإِيراد كون الخلاف في سقوط عدالته على الإِطلاق ويؤيده أن القاضي أبا سعد الهروي قال: الوجهان مبنيان على أن المبادرة من الصغائر أو الكبائر لكن منهم من يفهم كلامه وقوع هذا الخلاف في قبول تلك الشهادة وحدها إذا أعادها لا في سقوط العدالة مطلقاً -هذا صاحب الكتاب يقول في الوسيط في باب دعوى الدم في وجه لا تقبل تلك الشهادة منه إذا أعادها كالشهادة المردودة بعلة الفسق وعلى وجه تقبل وعلى وجه إن تاب عن المبادرة تقبل، وفي التهذيب أن إذا قلنا يصير مجروحاً فلا يشترط استبراء الحال حتى لو شهد في حادثة أخرى تقبل فأشعر ذلك في اختصاص الخلاف في تلك الشهادة لا غير.
وتقبلُ شهادة من اختبأ وجلس في زاوية مستخفياً لتحمل الشهادة ولا تحمل على الحرص إذ الحاجة قد تدعو إليه بأن يقر مَنْ عليه الحق إذا خلا به المستحق ويجحد إذا