النارُ أولَى أنْ يطيب النَّفْسُ بقبولها مِنْ شهادة من يخفِّف المأثم فيه وقبل هؤلاء شهادة من يسب هؤلاء الصحابة والسَّلف -رضي الله عنهم- فإنه يقدم عليه عَنِ اعتقادٍ لا عَنْ عداوةٍ، قالوا: ولو شَهِدَ خطابىٌّ، وذكر في شهادته ما يَقْطَع احتمالَ الاعتمادِ عَلَى قول المدَّعِي؛ بأن قال: سَمِعْتُ فلاناً يقر بكذا لهذا ورأيته أقره، قُبِلَتْ شهادته.
وفرقة أخرَى منْهم الشيخ أبو حامد ومن يحذو حذوه حملوا النصَّ على المخالِفِينَ في الفُرُوع، وردُّوا شهادة أهل الأهْوَاء كلِّهم، وقالوا: إذا ردَدْنا شهادَة من نفسِّقه، فأولَى أن نرُدَّ شهادَةَ من نضلِّله، وننسبه إلى البدعة.
وفرقةٌ ثالثةٌ توسَّطوا، فردَّت شهادةَ بعْضهم دون بعض، فعنْ أبي إسحاق أنه قال: من أنكر إمامةَ أبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- رُدَّتْ شهادتهُ؛ لمخالفة الإِجْمَاع ومن فضّل عليًّا على أبي بَكْر -رضي الله عنهم- لم تُرَدَّ شهادته، وردَّ الشيخ أبو محمَّد شهادةَ الذين يسُبُّون الصحابة -رضي الله عنهم- ويقْذفُون عائشةَ -رضي الله عنها- فإنَّها محصَنَةٌ على ما نطَقَ به القرآنُ، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النور: 23] وقَذْف سائر المحصنات يُوجِبُ رَدَّ الشهادة، فقَذْفُها أولَى، وعلى هذا جَرَى الإِمامُ وصاحبُ "التهذيب" والمصنِّف -رحمهم الله- وخَيْرُ الأمور أوساطها، وفي "الرقْم" أن شهادة الخَوَارجِ مردودةٌ؛ لتكفيرهم أهل القبلة (?)، ووافق أبو حنيفةَ الفَرقَةَ الأولَى من الأصحاب، ومالكٌ الثانية، وأحمدُ ردَّ شهادة ثلاثةِ أصنافٍ؛ القدريَّةِ، والجهمَّيةِ والروافضِ، فيجوز إعلام قولُه في الكتاب "وتُقْبَلُ شهادةُ المبتدعة" بالميم والألف والواو.
قَالَ الغَزَالِيُّ: الرَّابعُ: بالتَّغَافُلُ: فَرُبَّ عَدْلٍ يَكْثُر سَهْوُهُ وَوَهَمُهُ وَلاَ يَسْتَقِيمُ تَحَفُّظُهُ وَضَبْطُهُ فَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إلاَّ إِذَا عُلِمَ أنَّهُ فِي مَوْضِعٍ لاَ يَحْتَمِلُ الْغَلَطَ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: ومن أسباب التُّهْمَةِ الغفْلَةُ وكَثْرَةُ الغَلَطِ، فلا تُقْبَلُ شهادةُ المغفَّل