فَرْعٌ: الذي يترك السُّنَنَ الرواتِبَ وتسبيحاتِ الرُّكوع والسُّجودِ أحياناً، لا تُرَدُّ شهادته، وإن اعتاد ترْكَها رُدَّتْ شهادتُهُ؛ لتهاونه بالسُّنَنِ، ذكره في "التهذيب" وسببه إشعارُ هذا التهاوُنِ بقئةِ المبالاةِ والاهتمام بالمهمَّات، وحَكَى الشيْخُ أبو الفَرَجِ في غير الوتر وركعتَي الفجر من الرواتِب وجْهاً، أنه لا تردُّ الشهادة باعتياده ترْكَها، وعن نصِّ الشَّافعي -رضي الله عنه- أن المَستحِلَّ للأنبذة، إن كان يديم المقاومة علَيْها والحُضُورَ مع أهل السَّفَه، رُدَّتْ شهادته؛ لطرْحِهِ المروءة، وإن لم يفسق المستحلُّ وشهادةُ الطوافِ على الأبواب وسائر السؤال مقبولةٌ إلا أن يُكْثِرَ الكذبَ في دعوى الحاجة، وهو غيرُ محتاجٍ أو يأخذ مَا لا يحِلُّ له أخذه، فيفسق لذلك، وعن أبي حنيفة ردُّ الشهادة بسبب الطَّوْفِ على الأبواب، وهو قضية الوجْه الذاهب إلَى ردِّ شهادة أصحاب الحِرَفِ الدنيئة؛ لأن اختيارَ ذلك يدلُّ على الخسة.

وقوله في الكتاب "أو أكبَّ على اللَّعِبِ بالشطرنج أو الحَمَام، أو الرقْصِ، أو الغناءِ" مكرره، قد ذُكِرَ من قبلُ ما يفيده.

وقوله: "والحائك" يجوز إعلامه بالواو؛ لطريقة مَنْ قَطَع بقبول شهادَتِه.

قَالَ الغَزَالِيُّ: الوَصْفُ الثَّالِثُ: الانْفِكَاكِ عَنِ التُّهْمَةِ: وَلَهَا أَسْبَابٌ: الأَوَّلُ: أَنْ يَجُزَّ إِلَى نَفْسِهِ بِشَهَادَتِهِ نَفْعاً كَمَنْ يَشْهَدُ أَنَّ فُلاَنًا جَرَحَ مُوَرِّثَهُ، أَوْ يَدْفَعُ كَالعَاقِلَةِ إِذَا شَهِدَتْ بفِسْقِ شُهُودِ القَتْلِ الخَطَأ فَلاَ يُقْبَلُ، وَلَوْ شَهِدَ بِمَالٍ آخَرَ لِمُوَرِّثِهِ المَجْرُوحِ أَوِ المَرِيضِ قُبِلَ، وَلَوْ شَهِدَا لِرَجُلَيْنِ بِوَصيَّةٍ لَهُمَا مِنْ تَرِكَةٍ فَشَهِدَ لِلشَاهِدَيْنِ أَيْضاً بِوَصِيَّة فِيهَا قُبِلَتِ الشَّهَادَاتُ (ح)، وَكَذَا رُفَقَاءُ القافِلَةِ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: عن ابن عُمَرَ -رضي الله عنهما- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ ظَنِينٍ وَلاَ خَصْمٍ" والظنين المتهَّمُ، وللتُّهمة أسبابٌ:

منها: أن يجر إلى نفسه بشهادته نفْعاً أو يَدْفع بها ضرراً، فلا تُقْبَلُ شهادةُ السيد لمكاتَبِهِ ولعبده المأذُون (?) بدَيْنٍ ولا عَيْنٍ، ولا شهادةُ الوارثِ لِمَنْ يرثه، ولا شهادةُ الغريمِ للميِّت، ولا للمفْلِسِ المحْجُور عليه، وتُقْبَلُ شهادةُ الغريم لمديونه الموسِرِ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015