فيه اعتقاده، وردُّ الشهادةِ يَعْتَمِد عقيدةَ الشَّاهد، ولهذا لو غَصَب جاريةً وَوَطِئَها على اعتقادِ أنه يَزْنِي ثم تبيَّن أنَّها كانتْ مملوكتَهُ يفْسُق وتردُّ شهادته، ولو وطئَ جاريةَ الغَيْر عَلَى ظنِّ أنها جاريتُهُ لا تردُّ شهادته، وأيضاً، فإنَّ الحدَّ للزجْرِ، وشرْبُ النبيذ يحتاج إلى الزجر ورد الشهادة لسقوط الثقة بقوله إذا لم يعتقد التحريم، لم تسقط الثقة، وأما إذا كان الشاربُ ممَّن يعتقدُ تحريمه، فإن قلْنا يُحَدُّ معتقِدُ الحِلِّ، فهذا أولَى، وإن قلْنا لا يُحدُّ، فوجهان.

أظهُرهما: المنْعُ أيضاً؛ لشبهة الاختلاف، وأما ردُّ الشهادة، فإنْ ردَدْناها هناك، فهاهنا أولَى، وإن لم نردَّها، فوجهان:

أحدهما: أن الجوابَ كَذَلك؛ لأنَّ استحلال الشَّيْء أشدُّ من فعله، وإذا لم تردَّ شهادة مستحلِّ الشُّرْب، فشهادة الشارب أولَى، وعلى هذا فإنما نحكم بالفسق وردِّ الشهادة، إذ ارتكب مُجْمعاً على تحريمه.

والثاني: أنها تردُّ؛ لأنه، إذا لم يرتكبْ ما يعتقده محْظوراً، لم تؤْمَنْ جرأته علَى شهادة الزور وسائِرِ المحْظُورات، والأظْهَرُ من الوجْهَيْن الأول عنْد ابن الصَّبَّاغ وصاحب "المهذب" وَيُحْكَى عن ابن أبي هُرَيرْة، والثاني عند القاضي أبي الطيِّب الرويانِّي وغيرهما، ويحكى، عن أبي إسحاق، وهو الذي أورده الإِمامُ ويوافقُه ما حَكَى الرويانيُّ في "جمع الجوامع" عن القفَّال أنَّ من نكح بلا وليِّ، ووطئ، لا تُرَدُّ شهادتُه، إن اعتقد الحِلَّ، وتُردُّ، إن اعتقد التحريمَ، وعلى هذا قياسُ سائر المجتهدات، لكنْ قد حُكِيَ عن نص الشافعيِّ -رضي الله عنه- أنه لا تُردُّ شهادةُ المستحلِّ لنكاحِ المُتْعَة، والمفْتي به والعَامِل به، ونقل أبو الفيِّاض مثْلَه (?) في تتمة "الجامع الصغير" لأبي حامد القاضي، والفَرْقُ في الحدِّ حيث أوجبناه في شرْب النبيذ على الظاهر، ولم نوجبْه في الوطء بالنكاح بلا وليٍّ مذكورٌ في النكاح.

وقوله في الكتاب "إذا شرب النبيذَ" يعني القدْرَ الذي لا يسكر، فأما إذا شرب ما أسْكَره، فَسَق بلا خلاف، وأَعْلِم قولَهُ "وقُبِلَتْ شهادَتُه" بالميم، وقوله "لا يحدُّ" بالألف؛ لما عرَفْتَهُ، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015