وعن القفَّال والصيدلانِّي: لا يلتحق بالكذب؛ لأن الكاذبَ يَرَى الكَذِبَ صدْقاً، ويروِّجه، ولَيْس غَرضَ الشَّاعِر أن يَصْدِق في شِعْره، وإنَّما هو صناعة، وعلَى هذا، فلا فَرْق بين القليل والكثير، وهذا حسنٌ بالغٌ، وينبغي أن يُقَالَ على قياسه: إن التَّشْبِيب بالنِّساء والغلمان من غير تَعْيين لا يخلُّ بالعدالة، وإن أكثر منه؛ لأن التَّشْبِيب فَنٌّ وغَرَضُ الشاعر إظهارُ الصنعة في هذا الفَنِّ تحقيق المذكور، وكذلك ينبغي أن يكونَ الحُكْم لو سمَّى امرأةً لا يدْري من هي.

الخامسة: القولُ في تحْريمُ لُبْسِ الحرير وتحريم الجلوس علَيْه والتحلِّي بالذهب قد سبق في صلاةِ الخَوْف والعِيدَيْن والزكاةِ، فلا نعيدُه، بقي في الفَصْل بعْدَ هذه المسائِلِ كلامان:

أحدُهُمَا: ما حكَمْنا بإباحته في هَذِهِ الصُّورة يقتضي الإِكْثَار منْه ردَّ الشهادةِ، لكَوْنِه خَارِماً للمروءة فمن داوم على اللَّعِب بالشِّطْرنج والحَمَام، رُدَّتْ شهادته، وإن لم يقترن به ما يوجِبُ التحريم؛ لِمَا فيه من ترك المروءة، وكذا من داوم علَى سماع الغناء أو على الغناء، وكان يأتي النَّاسَ ويأتيه الناسُ لذلك، وكذا، لو اتخذ غلاماً أو جارية ليغنيا للنَّاس، وكذا المداومةُ على الرقْص وضرْبِ الدفِّ، فإنَّ الإِكثار من جميع ذلك إعراضٌ عن الجِدِّ ودخُولٌ في زمرة الهازلين الذين تشوبُهُم الظُّنون، ولا يوثَقُ بقولهم، وكذا إنشاءُ الشِّعْر وإنشادُهُ، إذا أكثر منه، فترك به مُهِمَّاتِه، كان خارقاً حجابَ المُرُوءة، كذا ذكره الإِمامُ، قال: وكذا الشاعرُ يكتسب بشِعْره، والمَرْجِعُ، في المداومة والإِكثارِ إِلى العادَةِ، ويختلف الأمر فيه بعادات النَّواحِي والبلادِ، ويُسْتَقْبَحُ قدر من شخْصٍ لَا يُستقبحُ من غيره، وللأمكنة تأثيرٌ فيه أيضاً، فاللعب بالشِّطْرنج في الخلوة مراراً لا يكون كاللَّعِب مرَّةً في السوق علَى ملأ من الناس، وقد ينساق هذا إلَى أن يُقَالَ: لما استمرت العادةُ بأن الشَّاعر يكتسب بشِعْره وعدّ صنعة الغناء المباح حرفةً ومكسباً، فالاشتغالُ به ممن يليق بحاله لا يكون تركاً للمروءة، وكلامُ الأصحاب محمُولٌ على من لا يليق بحالهِ وقدْ رأيتُ ما ذكرته في الشَّاعر يكتسب بشِعْره لابن القاصِّ، والله أعلم.

وقوله في الكتاب يخرم المُروءة في حق بعض الناس "فيه إشارة إلى ما ذكرنا.

الثاني: ما حكمنا بتحريمه في هذه المسائل كالنَّرْد، وسماع الأوتار، ولُبْسِ الحرير، والجُلُوسِ عليه، فهو من الكبائر حتَّى تردَّ الشهادة بالمرَّة الواحدة أو من الصَّغائر حتى يُعْتَبَر المداومةُ والإِكثارُ منْه وجهان؛ ميل كلام الإِمام إلَى ترجيح أولهما، والأشبه الثانِي، وهو المذكور في "التهذيب" وغيره، وزاد الإِمامُ شيئاً آخرَ، فقال: لِيُنْظَر أولاً إلى عادة القُطْر والناحية، فحيثُ يستعظمون النَّرْد، وَسماع الأوتار، تُرَدُّ الشهادةُ بالمرَّة الواحدة؛ لأن الإِقدامَ في مثْل تلْك الناحيةِ لا يكونُ إلاَّ من جَسُور منحلِّ عن ربقة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015