الثانية: المقدَّم بالسبق أو بالقرعة، إنما يقدم في دعوَى واحدةٍ، ولا يمكن أن يزيد، فيضر بالآخرين بل ينصرف إلى أن يحضر في مجلس آخر أو ينتظر فراغ القاضي من سَمَاع دَعْوَى سائر الحاضرين، فحينئذٍ تسمع دعواه الثانية، إن لم يضجر، ولا فرق بين أن تكَون الدعوى الثانية والثالثة على الذي ادَّعَى عليه والدعوى الأولَى، أو على غيره، وفيه وجه أن الزِّيادة عَلَى الدَّعْوَى الأُولَى مسموعة، إذا اتحد المدعَى عليه، ويجعل اتحاد المتداعيين كاتِّحَاد الدَّعْوَى، ثم الناقلون لهذا الوجه منهم من أطلق، وقيد في "الوسيط" فقال: تسمع إلَى ثلاثِ دعاوَى، وتسمع عَلَى من ادَّعَى عليه دعْوَى ثان وثالث؛ لأن الدعوى للمدعي، وقد تعدَّد المدعون، ونقل القاضي ابن كج هاهنا وجهين غريبين:
أحدهما: أن المقدَّم بدعوى واحدة لا يسمع منه الدعوى الثانية إلا في مجلس آخر، وإن فرغ القاضي من سماع دعوى الحاضرين، فعليهم بعد ذلك ترفيهه.
والثاني: أنه لا يسمع على الواحد إلا دعوى واحدةٌ، كما لا تسمع من الواحد إلا دعوى واحدة.
فَرْعٌ: المقدَّم بالسفر يجوز ألاَّ يقدم أيضًا إلا بدعوى واحدةٍ، ويجوز أن يقدم بجميع دعاويه؛ لأن الغرض من تقديمه ألا يتخلف عن الرفقاء، ويجوز أن يقال: إذا عرف أن له دعاوى، فسبيله سبيل المقيمين؛ لأن في تقديمه بجميع الدعاوى إِضرارًا بغيره وتقديمه بالدعوى الواحدة لا يَحْصُلُ الغَرَض (?).
الثالثة: تنازع الخصمان، وزعم كل واحد منهما أنه هو المُدَّعِي نُظِر، إن سبق أحدهما إِلى الدعوى، لم يلتفت إلى قولِ الآخر، أنِّي كنت المدعي، بل عليه أن يجيب ثم يدعي إن شاء، وإن لم يسبق وتشاجرا، سأل القاضي العون، فمن أحضر العون، فهو المدعَى عليه، فيدعي الآخر عليه، وكذا لو قامت بيِّنة لأحدهما أنه أحضر الآخر؛ ليدعي عليه، وإن استوى الطرفان أقرع بينهما، فمن خرجت له القرعةُ ادَّعَى وقيل: يُقدِّم القاضي أحدهما باجتهاده والله أعلم.