ويسوي بينهما في المجلس، فيجلس أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، إذا كانا شريفَيْن، أو يجلسهما بين يديه، وهو الأولَى على الإطلاق، لما رُوِيَ أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قضى أن يجلس الخصمان بين يَدَي القاضِي؛ ولأَن النظر إليهما والاستماع لكلامهما حينئذٍ، يكون أسهل نعم، لو كان أحدهما مسلمًا، والآخر كافرًا، فوجهان:

أصحُّهما: وهو الذي أورده العِراقِيُّون: أنَّه يَرْفَع المُسْلِم في المجلس؛ لما روي أن عليًّا -رضي الله عنه- جلس بجنب شُرَيْحٍ في خصومة له مع يَهُودِيٍّ، وقال: لو كان خَصْمي مسلمًا، لجَلَسْتُ معه بين يدَيْكَ، ولكني سَمِعْتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لاَ تُسَاوُرهُمْ فِي الْمَجْلِسِ" (?).

والثاني: أنه يسوي بينهما أيضًا؛ للخبر السابق، ولأنه يسوي بينهما في الإِقبال عليهما، والاستماع منهما، فكذلك في المجلس، ويمكن أن يكون الوجهان في رفْعِ المَجلس جاريين في سائر وجوه الإكرام، ثم التسوية بين الخَصْمَيْن في الأمور المذكورة مستحبةٌ أو واجبةٌ؟ اقتصر صاحب "الشامل" على الاستحباب، ونص الأكثرون على الوجوب.

ولْيُقْبِل القاضِي عَلَى الخصمين بمجامع قلبه، وعليه السكينة، ولا يمازح أحدهما، ولا يضاحكه، ولا يشير إليه ولا يُسَارُّه، ولا ينْهَرُهُما، ولا يصيح عليهما، إذا لم يَفْعَلا ما يقتضي التأديب، ولا يتعنت الشهود، بأن يقول بم تشهدون، وما هذه الشهادة؟! فيشوش عليهم، ولا يلقن المدعي الدعوى؛ بأن يقول: ادَّعِ علَيْهِ كذا، ولا المُدَّعَى عليه الإِقرار والإِنكار، ولا يجري المائل (?) إلى النكول على اليمين، وكذا لا يلقن الشاهد الشهادة ولا يجريه إذا مال إلى التوقف، ولا يشككه، ولا يمنعه إذا أراد الشهادة وهذا في حقوق الآدميين.

وأما في حدود الله تعالى جده فالقاضي يرشد إلى الإنكار على ما هو مبيَّن في موضعه، وإذا كان يدعي دعوى غير محرَّرة، قال الإِصطخريُّ: يجوز أن يبين له كيفية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015