أن نمنع وإن جوزناها، ففيها قولان (?):
الأصح: المنع، وبه قال أبو حنيفة؛ لأن الحاكم مأمورٌ بالتَّسَتُّر، وقد رُوِيَ عن أبي بكر -رضي الله عنه- أنه قال: لو رأيت رجلاً على حدِّ، لم أحُدَّه، حتى يشهد عندي بذلك شاهدان (?)، ويجوز أن يُتْرَكَ الترتيب والتفريع، وَيُقَال في القضاء بالعلم ثلاثة أقوال؛ يجوز مطلقًا، ولا يجوز مطلقًا، ويجوز في الأموال دون العقوبات، أو أربعة أقوال، يجوز، لا يجوز، يجوز في الأموال لا غير، يجوز فيما سوى الحدود لا غير.
ولا خلاف أن القاضي لا يقضي بخلاف علمه، بل إذا علم أن المُدَّعِي أبرأه عما يدعيه، ويقيم الشهود عليه، أو أن المدعي قبله حي، أو رآه قبله غير المدعَى عليه، أو سمع مدعي الرِّقِّ قد أعتق، ومدعي النكاح قد طلق ثلاثًا، وتحقق كذب الشهود، فإنه يمتنع (?) القضاء، وكذا إذا علم أن الشهود فسقة، وهذا ما أراد في الكتاب بقوله: "لكن إن علم فسق الشاهد أو كذبه توقَّف عن القضاء" ولْيُعْلَمْ قوله: "ويغنيه علمه بعدالة الشهود" وقوله: "دون من أقر عنده سرًّا" بالواو لما تقدَّم، واعلم أن الأئِمَّةَ -رحمهم الله- مثلوا القَضَاء بالعِلْم الذي هو محلّ القولين؛ بما إذا ادعى عليه مالاً، وقد رآه القاضي أقرضه ذلك، أو سمع المدعَى عليه أقر بذلك، ومعلوم أن رؤية الإقراض وسماع الإقرار لا يفيد اليقين بثبوت المحكوم به وقت القضاء، فيدل على أن ليس المرادُ بالعلم اليَقِينَ، بل الظن المؤكد.
قَالَ الغَزَالِيُّ: وَأَمَّا الخَطُّ فَلا يَعْتَمُدُهُ الشَّاهِدُ وَلا القَاضِي إِذَا لَمْ يَتَذَكَّرُ لإِمْكَانِ