أشهرهما: أنَّ فيها قَوْلَيْنِ:
أصحهما: أن الحقَّ فيها واحدٌ، والمجتهد مأمور بإصابته، ومن ذهب إلى غيره فهو مخطئٌ، لما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ" (?) وأيضًا فإنَّ الصحابَةَ -رضي الله عنهم- خَطَّأَ بعْضُهم بعضًا في مسائل الاختلاف.
وروي عن أبي بَكْر -رضي الله عنه- أنه قال في الكلالة أقول فيها بِرَأْي إنْ كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأً فمنِّي، وأستغفر الله (?) ويُرْوَى مثله في وَقَائِع مختلفةٍ عن عُمَرَ وعليٍّ وابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنهم (?) - فَدَلَّ ذلك على أن المجتهدين، إصابة وخطأ.
والثاني: أن كل مجتهد مصيبٌ؛ لأنَّ كُلَّ واحدٍ منْهُم مأمورٌ بالعمل بما أداه اجتهاده إليه، وغير الحق يؤثر بالعمل به، ولأنه لو لم يكُنْ كذلك، لَتَبرأ الأولُونَ ممَّن يُخالف الحقِّ، ولمنعوهم كما فَعَلُوا بمانعي الزكاة.
والطريق الثاني: القطع بالقول الأوَّل، قال أبو إسحاق والقاضي أبو الطَّيِّب، فإن قُلْنَا: إن المُصِيبَ واحدٌ، فالمخطئُ معذورٌ غير آثم، وذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازيُّ: أن القاضي أبا بكر الأشعريَّ حَكَى عن أبي عليِّ بْنِ أبي هريرة: أن المخطئ آثمٌ المذهب الأَوَّلُ، والخبر السابق دليلٌ عليه، وعلام يُؤْجَرُ المخطئ؟ فيه وجهان؛ عن أبي إسحاق:
أحدهما: وهُوَ ظاهرُ النصِّ، واختيار المزنيِّ -رحمه الله-: أنه يُؤْجَرُ علَى القَصْد إلى الصواب، ولا يُؤْجَرُ علَى الاجتهاد؛ لأنه اجتهاد أفْضَى به إلى الخَطَأ، وكأنه لم يسْلُكِ الطريق المأْمُورَ به.