الحكم: فلأنه قد يُحابَى بسبب القضاء، فيميل قلبه إلى مَنْ حاباه، إذا وقعت بينه وبين غيره حكومةٌ، وربما خاف خَصْمٌ من غائلة مَنْ مَيْلُ القاضي إليه، فيمتنع مِنْ رَفْعِهِ، وأما في مجلس الحكم، فلهذا المعْنَى، وَلِئَلاَّ يشتغلَ قلبه ويتجرَّد النظر والاجتهاد.
وقد رُوِيَ عن شُرَيْح -رضي الله عنه- أنه قال: اشترطَ عَلَّي عمر -رضي الله عنه- حين ولاَّنِي أَلاَّ أُبِيعَ، ولا أُبَاعَ، ولا أَقْضِيَ، وأنا غضبان (?)، وسبيله فيما يحتاج إليه مِنْ بيع وشراء أن يوكل، فإذا عَرَفَ الشخْصُ بوكالته، أبْدَلَه بآخر، فإن لم يجد مَنْ يوكِّلُه، عقد بنفسه لضرورة ثم إذا وقعت خصومة لمن عامله، أناب من يحكم بينه وبين خصمه، خوفًا من أن يميل إلَيْه ولا يختص هذا الحُكْمُ بالبيع والشراء بل يعم الإِجارة، والاستئجارُ وسائرُ المعاملات في معناهما بل عن نص الشَّافعيِّ -رضي الله عنه- في "الأم" أنه لا ينظر في نفقة عياله، ولا أمر ضيعته، ويكله إلى غيره، تفريغًا لقلبه، وعن أبي حنيفة لا يُكْرَهُ له مباشرةُ البَيْعِ والشِّراء.
الثانية: الرِّشْوَةَ محرَّمَةٌ، لما رُوِيَ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: رسولُ الله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَعَنَ الله الرَّاشِي والْمُرْتَشِي في الْحُكْم" (?) ولأن الحكم الذي يأخذ عليه المَالَ، إما أن يكون بغَيْر حَقٍّ، فيحرم أخذ المال في مقابَلَتِهِ؛ لأنه حرامٌ، أو يكون بحَقٍّ، فلا يجوز توقيعه (?) على المال، وهذا إذا أخذ من بيت المال رِزْقًا على القضاء.
أما إذا لم يأخذ، فإنَّ الشَّيْخَ، أبا حامد قد ذكر أنه، لو قال للخصمين: لا أقضي بَيْنَكُمَا، حتَّى تجْعَلاَ لِي رِزْقًا، جاز، وحُكِيَ مثْلُه عن القاضي أبي الطَّيِّب وغيره، وهذا كما حكَيْنَا عن القاضي أبي سَعْدٍ الهَرَوِيِّ: أن له أخْذَ الأجرة عَلَى عمله، إن لم يتعيَّنْ عليه القضاء، وإن تعيَّن فكذلك، جواب صاحب التقريب، قال: والأكثرون منَعُوا منْه،