الخامسة: لو كان التراب نجساً ففيه وجهان:
أحدهما: يُجزِئُ كالدَّبْغِ بالشيء النجس فإن المقصود الاسْتِعَانَةُ على القلع بشيء آخر، وأصحهما: لا، كما لو تيمم بالتراب النجس وهذه المسألة تناظر مسألة أخرى وهي: أن الأرض الترابية لو تنجست بإصابة الكلب إياها، هل يحتاج في تطهيرها إلى التراب؟ أم يكفي مَحْض الماء، إن قلنا: يجوز التطهير بالتراب النجس، فلا حاجة إلى تراب آخر، وإن قلنا: لا يجوز، فلا بد من استعمال ترابٍ آخر، والأظهر في هذه المسألة أنه لا حاجة إلى استعمال التراب؛ لأنه لا معنى للتعفير في التراب.
السادسة: لا يكفي ذَرُّ التراب على المحل وإن غسله سبعاً؛ بل لا بد من مائع يمزجه به، ليصل التراب بوساطته إلى جميع أجزاء المحل، ثم ذلك المائع إن كان ماءً حصل الغرض، وإن كان غيره كَالخَلِّ وَمَاءِ الوَرْدِ وغسله ستاً بالماء، فوجهان:
أحدهما: يكفي؛ لأن المقصود من تلك الغَسْلَةِ التراب، وأصحهما: لا، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فَلْيَغسِلْهُ سَبْعاً إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ".
المعنى: فليغسله بالماء سبعاً، وإلا لجاز الغسل [سبعاً] (?) بغير الماء وبَنى طبقةٌ من الأئمة، ومنهم صاحب الكتاب الخلاف في المسائل [الأربعة] (?) الأخيرة على النظر في أن التعفير لماذا روعي؟ فمنهم من قال: هو تَعَبُّدٌ يتبع فيه ظاهر النقل وقيل: سببه الاستظهار بغير الماء، وقيل: سببه الجمع بين نوعي الطهور فعلى الأول: لا يغني استعمال غير التراب [وعلى الثاني يجوز استعمال غير التراب] (?) والتراب النجس، والممزوج بسائر المائعات، لكن لا تجزى الغسلة الثامنة. وعلى الثالث يمنع الكل إلا المزج بسائر المائعات، وقد يتوقف المتأمل في بعض هذه التفاريع.
وقوله: في الأصل "بل لا بد من مائع يغيره لِوصله إليه" يجوز أن يقرأ بالياء من التغيير، أي: يغير التراب ذلك المائع، فيوصل المائع التراب إليه، ويمكن أن يجعل الفعل للمائع على معنى أنه يغير التراب عن هيئته فيتهيأ للنفوذ، والوصول إلى جميع الأجزاء، وفي بعض النسخ "يغير به" وكل جائز (?).