قَالَ الرَّافِعِيُّ: المسْتَحَبُّ للإِمام إذا ولى رجلاً للقضاء، أن يأذن له في الاصتخلاف؛ ليكون أسهل عليه، وأقضى إلى فصل الخصومات، فإن لم يأذن، فأما أن يطلق التولية، أو ينْهَاه عن الاستخلاف.

الحالة الأولى: إذا أطلق التولية، فيُنْظَر، إن كان ما فوَّضَه إليه مما يمكنه القيام به، كقضاء بلدة صغيرة فوجهان:

أصحّهما: أنه ليس له الاستخلاف؛ لأن الإِمام لم يرض بنظر غيره.

والثاني: وبه قال مالك -رحمه الله- فيما حكى الإِصطخري: أنه يجوز؛ لأنه ناظر في المصالح العامة، فَيُمكَنَّ من الاستخلاف، كالإِمام، وإن لم يمكنه القيام بما فوضه إليه؛ كقضاء بلدتين فصاعداً، أو قضاء البلدة الكبيرة فله أن يستخلف؛ لأن قرينة الحال مشعرة بالإِذن.

وشبهوه بما إذا دفع متاعاً إلى إنسان ليبيعه، وهو ممَّن لا يعتاد الطواف بالأمتعة والنداء عليها، فإنه يكون إذناً في دفعه إلى من يقوم بذلك، ثم فيم يستخلف في القدر الزائد على ما يمكنه القيام أم في الكل فيه؟ وجهان:

أصحّهما: الأول؛ لأن ذلك القدر هو المعلوم في القرينة، والقياس فيما إذا أذن له في الاستخلاف، أن يكون في القدر المستخْلَف فيه هذان الوجهان إلا أن يصرح بالإِذن في الكل، وقطع القاضي ابن كج بأنه عند الإِذن المطلق يستخلف في الكل.

الثانية: إذا نهاه عن الاستخلاف، لم يجز له الاستخلاف، فإن كان ما فوَّضَه إليه أكثر مما يمكنه القيام به، ففي "الشامل": أن القاضي أبا الطَّيِّب جعل وجُود النَّهْي كعدمه، والأقرب أحد احتمالين، إما بطلان التولية، ويحكَى هذا عن ابن القَطَّان، أو اقتصاره على ما يقدر عليه، وترك الاستخلاف (?).

وجميع ما ذكرنا في الاستخلاف العام، أما في الأمور الخاصَّة كتحليف وسماع بينة، فمنهم من جعله على الخلاف، وهو قضية إطلاق الأكثرين، وعن القَفَّال: القطع بجوازه؛ لأن القاضي لا يُسْتَغْنَى عنه، وهو جارٍ مجرى التوكيل.

وقوله في الكتاب "وإن أطلق التولية ففيه ثلاثة أوجه وفي الثالث يستخلف، إن اتسعت الحطّة، وإلا فلا" فيه إثبات وجهين مطلقين:

أحدهما: الجواز، إن اتسعت خطة الولاية، وتعذَّر القيام بما فُوِّض إليه، أو لم يتَّسِع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015