فروع: قد عرفت أن الظَّاهر في نذر المشْي إلى بيت الله تعالَى الحرام وجوبُ الحج أو العمرة فلو أنه قال في نذره: أمشي إلَى بيت الله الحرام بلا حج ولا عمرة، ففيه وجهان عن أبي إسحاق:

أحدهما: أنه ينعقد نذره، ويلغو قوله "بلا حج، ولا عمرة".

والثاني: لا ينعقد؛ لأنه إذا أضَافَ حُمِلَ على عرف الشرع (?) فإذا صرح بخلافه، لم يمكن حمله عليه، فيلغو النذر، وعن الشيخ أبي حامد وغيره بناءُ الخلافِ على الخلاف فيما إذا نذر المَشْيَ إلَى مسجد المدينة والمسجد الأقصى؛ لأن المشي هناك لا يتضمَّن نسكاً، وكذلك هاهنا إذا صرفه عن النسك، واعترض ابن الصبَّاغ بأن مَنْ يقول بانعقاد النذر هنا يلغى قوله "ولا حاجّاً ولا معتمراً، ويأمره بالنسك، فلا يكون خالياً عن النسك، ثم إذا أتاه، فإن أوجبنا إحراماً لدخول مكة، فعليه حج أو عمرة، وإن قلنا لا، فعلى ما ذكرنا في مسجد المدينة والأقصى.

ولو قال: أصلِّي الفرائض في المسجد، قال في "الوسيط": يلزمه، إذا قلْنا: صفاتُ الفرائضِ تُفْرَدُ بالالتزام.

وقال القاضي ابن كج: إذا قدر أن يزور قَبْرَ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فعنْدِي؛ أنه يلزمه الوفاء وجهاً واحداً، ولو نذر أن يزور قَبْرَ غيره، ففيه وجهان عندي.

وفي "التتمة": لو قال: أمشي، ونوى بقلبه حاجّاً أو معتمراً، انعقد النذر على ما نَوَى، وإن نوى إلَى بيت الله الحرام، فيُجْعَلُ ما نواه كأنه تلفَّظَ به.

قَالَ الغَزَالِيُّ: النَّوْعُ الرَّابِعُ فِي الضَّحَايَا وَالهَدَايَا: وَلَوْ نَذَرَ التَّقَرُّبَ بِسَوْقِ شَاةٍ إِلَى مَكَّةَ لَزِمَهُ الذَّبْحُ بِمَكَّةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّفْرَقَةُ أَيْضاً بِمَكَّةَ، فَإنْ لَمْ يَذكُرْ لَفْظَ الضَّحِيَّةِ وَالْقُرْبَةِ بَلْ قَالَ: عَلَيَّ ذَبْحُ شَاةٍ بِمَكَّةَ نَفِي اللُّزُومِ وَجْهَانِ، فَإِنْ أَضَافَ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى فَأَوْلَى بألاَّ يَلْزَمَ، وَلَوْ قَالَ: للهِ عَلَيَّ أنْ أُضَحِّيَ بِنَيْسَابُورَ فَعَلَى وَجْهٍ يَلْزَمُهُ الذَّبْحُ وَالتَّفْرِقَةُ بِهَا، وَعَلَى وَجْهٍ يَلزَمُهُ التَّفْرِقَةُ بِهَا دُونَ الذَّبْحِ، وَعَلَى وَجْهٍ لاَ يَتَعَيَّنُ لاَ الذَّبْحُ وَلاَ التَّفْرِقَةُ، وَهُوَ مِثلُ الْخِلاَفِ فِي تَعِيْينِ الفَقِيرِ الصَّدَقَةَ بِالنَّذرِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا نذر دبْحَ حَيَوَانٍ، ولم يتعرَّض لهدي، ولا ضحية، بأن قال: لِلَّه عليَّ أن أذبح هذه البقرة، أو أنحر هذه البَدَنَةَ، فإن قال مع ذلك: وأتصدَّق بلحمها أو نواه، لزمه الذبح والتصدُّق، وإن لم يقله ولا نواه، ففي انعقاد نذره وجهان:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015