والثاني: ينعقد؛ لأنه قد ورد الأمر بإمساك بعضِ النهار، كما في حق من أصبح مفطراً يوم الشك، ثم بان أنه من رمضان، وذكر تفريعاً على الانعقاد؛ أنه لو أمسك بقيَّة نهاره عن النذر، يجزئه، إن لم يكن قد تناول في أوله شَيْئًا، وإن تناول، فلا يجزئه على المذهب، وقد مَرَّ في الصوم وجْهٌ أنه، إذا نوى الصوم بَعْد الأكل يجوز، فعَلَى ذلك الوجْهِ يجزئه عن نذره، وهذا يخالف ما قدَّمنا أنه يلزمه صوم يوم كامل.

ولو نذر أن يصلِّيَ بعض ركعة، ففيه وجهان، كما في مسألة الصوم، ووجه الشيخُ المتولِّي الانعقاد بأنَّ الإِنسان قد يؤْمَرُ بفعل ما دون ركعة ويثاب عليه، وهو إذا أدرك الإِمامَ بَعْد الركوع حتى يدرك به فضيلة الجماعة، إذا اتفق في الركعة الأخيرة، قال: فعلَى هذا، يلزمه ركعةٌ كاملةٌ، إن أراد أن يأتي بالمنذور منفرداً، وإن اقتدى بإمامٍ بعْدَ الركوع في الركعة الأخيرة، يخرج عن نذره؛ لأنه أتى بما التزمه، وهو قربة في نفسه، والذي أطلقه غيره؛ تفريعاً على انعقاد النذر؛ أنه يلزمه ركعةٌ، وهو الجواب، إذا نذر ركوعاً باتفاق المفرعين، ولو نذر تشهداً، ففي "التتمة" أنه يأتي بركعة يتشهَّد في آخرها أو يقتدي بمن قعد للتشهد في آخر صلاته، أو يكبر ويسجد سجدةً، ويتشهَّد على طريقة من يقول سجود التلاوة يقتضي التشهد، ويخرج به عن نذره سجدةً مفردةً، ففيه طريقان في "التتمة" أن السجدة قربة، بدليل سجدة التلاوة والشكر، ففي انعقاد نذْره وجهان، كالوجهَيْنِ في نذر عبادة المريض وتشميت العاطس، وإن قلْنَا: لا ينعقد، فالحكم كما في الركوع، وقطَع الشيْخ أبو محمَّد بأن نذْرَ السَّجْدة المنفردة لا ينعقد؛ بناءً على أنها ليست بقربة، وهو الظاهر كما تقدَّم في الصلاة.

الثالثة: إذا نذر أن يحجَّ في هذه السنة، وهو على مائة فرسخ، ولم يبق إلا يومٌ، لم ينعقد نذره؛ لأنه لا يتأتى له الإِتيان بما التزم، وهذا ظاهر المذهب، وذكر بناءً على أن في لزوم كفارة اليمين بذلك خلافاً سبَقَ في نظائره، وحَكَى القاضي ابنُ كج وجهاً آخر؛ أنه ينعقد نَذرُهُ، ويقضي في سنةٍ أخرَى، هذه هي الصورة المضمنة.

ولنعُدْ إلَى مقصود الفصل:

إذا نذر أن يصوم اليَوْمَ الذي يقدم فيه فلانٌ، هل ينعقد نذره؟ فيه قولان:

أحدُهُمَا: لا، وهو اختيار الشيخ أبي حامدٍ -رحمه الله- لأنه لا يمكنه الصومُ بعْد القدوم؛ لأنَّ التبييت شرطٌ في صوم الفرض، وإذا لم يمكنِ الوفاءُ بالملتزم، يلغو الالتزام، كما ذكرنا في التزام الحجِّ في الصورة الثالثة.

وأظْهَرُهُمَا: وهو اختيار المُزَنِيِّ، إلى ترجيحه ذهب القاضيان أبو الطيب والرويانيُّ وإليه ميل ابنِ الصباغ وغيره: أنه ينعقد نذره؛ لأن الوفاء به ممكنٌ بأن يعلم أنه يقدم غدًا فينوي من الليل، ويصوم عن النذر، وقد يجب الصوم في زمان لا يمكن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015