قال: لا آكل هذه الحنطة، حَنِثَ بأكلها، نَيَّئةً ومطبوخة، وهل يحنث بأكل دقيقها، وسويقها، وعجينها، وخُبْزَها؟ فيه وجهان:

أحدهما: وينسب إلى ابن سُرَيْجٍ، وأبي جعفر الأَسْتَرابَاذِي -رحمهما الله- أنه يحنث للإِشارة إلى العين وكذلك تُؤْكَل الحنطة غالبًا، فصار كما إذا قال: لا آكل هذا الكبش، فذبحه وأكله.

وأصحُّهما: وبه قال أبو حنيفة: لا يحنث؛ لأنَّ اسم الحنطة قد زال بالطحن، وصورته قد تغيَّرت، فصار كما لو زَرَعَها، فنبتت، فأكل حشيشها، أو قال: لا آكل هذا البيض، فصار فرخًا فأكله، ومنهم من قطع بهذا، ولم يثبتِ الخلافُ، ولو قال: لا آكل من هذه الحِنْطَة، فكذلك الحكم، إلا أن هاهنا، يحنث بأكل بَعْضها.

وفي طريقة الصيدلانِّي وبه، أنه إذا قال: مِنْ هذه الحنطة، حنث بأكل كل ما يُتَّخَذُ منها، ولو قال: لا أكل هذا الدقيق، فأكل عجينه أو خبزه أو هذا العجين، فأكل الخبز، فعلَى هذا الخلاف، وعن أبي حنيفة أنه إذا حلف على الدقيق، حنث بأكل الخُبْزِ.

ومنْها: إذا قال: لا آكل هذا الحيوان، فذبحه وأكله، حنث؛ لأن الحيوان كذلك يُؤْكَلُ، واليمين عليه تعقد، وهو كما لو حلف، لا يلبس هذا الغزل، فنسج منه ثوبًا، فلبسه، يحنث، ولو قال: لا آكل لحم هذه السخلة أو الحمل، فصار كبشًا، فذبحه، وأكله، فمن قال: يحنث في مسألة الحنطة، قال: يحنث هاهنا واختلف الذين قالوا: لا يحنث هناك على وجهين:

أظهرهما: أنه لا يحنث أيضًا؛ لزوال الاسم كما في الحنطة.

والثاني: يحنث؛ لأن الصورة ما تبدَّلَتْ هاهنا، إنما تغيَّرت الصفة، فصار كما لو قال: لا آكل هذا اللحم، فجعله شواء، وأكله، ويُرْوَى هذا عن أبي حنيفة، ويجري الوجهان فيما إذا قال: لا أكلِّم هذا الصبيَّ، وكلَّمه بعد ما صار شابًّا، وهذا الشابَّ، فكلمه بعد ما صَارَ شَيْخًا (?)، وعن أبي حنيفة أنه لا يحنث هاهنا.

ومنها: لو قال لا أكلم هذا، وأشار إلى عبد، فعَتَقَ، وكلَّمه، حنث، ولو قال لا أكلم هذا العبد، فعتق، فيجيء فيه ما ذكرنا من اختلاف الأصحابِ -رحمهم الله- في مسألة السخلة.

ومنها: لو قال: لا آكل هذا الرطب، فصار تمرًا، أو هذا البسر، فصار رطبًا، أو العنب، فصار زبيبًا، أو لا أشرب هذا العصير، فصار خمرًا، أو هذه الخمر، فصار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015