قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلَوْ قَالَ: لا أَلْبَسُ مَا مَنَّ بِهِ فُلانٌ عَلَيَّ أَوْ مَا غَزَلَتْ فُلانَةٌ يُحْمَلُ عَلَى المَوْهُوب وَالمَغْزُولِ فِي المَاضِي، وَلَوْ قَالَ لا أَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا حُمِلَ عَلَى المَاضِي وَالمُسْتَقْبَلِ، وَلَوْ لَبِسَ مَا خِيطَ بِغَزْلِهَا لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَبِسَ مَا سُدَاهُ مِنْ غَزْلِهَا دُونَ اللُّحْمَةِ لَمْ يَحْنَثْ إِذَا ذَكَرَ الثَّوْبَ فِي اليَمِينِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا قال لا ألبس ما مَنَّ به عليَّ فلان، أو ثوبًا مَنَّ به عليَّ، فلبس مما وهبه منه، أو أوصَى له به، حَنِثَ، ولو باع منه ثوبًا بمحاباة، فلبسه، لم يحنث، ووُجِّهَ بأن المنة في حظِّ الثمن لا بالثوب، وكذا لو باع منه ثوبًا، ثم أبرأه عن الثمن، ولو أبدل الثوب الموهوب، أو المُوصَى به بغيره، أو باعه أو اشترى بثمنه ثوبًا آخر، فلبسه، لم يحنث، خلافُ المالك -رحمه الله- لأن الأيمان تُبْنَى على الألفاظ، لا على القصود التي يحتملها اللفظ؛ ولذلك نقول: إذا منَّ عليه رجلٌ، فحلف؛ لا يشرب له ماءً من عطش، لا يحنث بأكل طعامه، ولُبْسِ ثيابه، وشرب الماء من غير عطش؛ لأن اللفظة تحتملها.
وإن كان يقصد في مثل هذا المَوْضِع الامتناعَ منْهَا جميعًا، ولو قال، لا ألبس من غزل فلانة، أو ثوبًا من غزلها، فلبس ثوبًا خِيطَ بغزلها، لم يَحْنَثْ؛ إذْ لا يُوصَفِ، الخَيْطُ بأنه ملبوسٌ ولو لَبسَ ثوبًا سُدَاه من غزلها، واللُّحْمَةُ من غيره، فإن كان قد قال: لا ألبس ثوبًا من غزلها، لم يحنث؛ لأنه ليس من غزلها، بل منه ومن غيره، وإن اقتصر على قوله: لا ألبس من غزلها، فيحنث، وإلى هذا أشار في الكتاب بقوله: "يحنث، إذا ذَكَرَ الثوْبَ في اليَمِينِ".
ثم يرعى قضية اللفظ في الصورتين ونظائرهما في التناول للماضي والمستقبل أو أحدهما، فإذا قال: لا ألبسَ ما مُنَّ به عليَّ؛ فإنما يحنث بلبس ما مضت المنة به؛ بالهبة وغيرها، ولا يحنث بما منَّ به من بعد، ولو قال: لا ألبس ما غزلته فلانةٌ، فإنما يحنث بما غزلته منْ قبلُ دون ما تَغْزِلُه مِنْ بعدُ، وترجمته بالفارسية (أزرشته تودر نيوشم) (?) هكذا ذكر إبراهيم المروزيُّ -رحمه الله- لكن هذه اللفظة قد تجعل ترجمة قوله "مِنْ غزل فلانة" واْوضح منه (آزآنج تورشتى اى بارشتى درنيوشم) (?) ولو قال: لا ألبس ما يَمُنُّ عليَّ به فلانٌ، فلا يحنث بما وهبه من قبل، إنما يحنث بما وهبه من بعد، ولو قال: مما تغزله فلانة، يحنث بما تغزله بعد اليمين دون ما غزلت قبلها وترجمته (آزآنج تورشتى درنيوشم) (?).