فلو تصدَّق على ابنه، ففي الرجوع خلافٌ، وفي الهبة يرجع، ويُحْكَى هذا عن أبي حنيفة، واختار القاضي الحُسَيْنُ، ويُروَى عن أبي حنيفة أنه يحنث بالتصدُّق على الغَنِيِّ دون الفقير، هذا في صدقة التطوع، أما إذا أدَّى الزكاة، أو صدقةَ الفُطْر، لم يحْنَث، كما لو قضى دينًا، وعن القفَّال مع هذا الجواب، جواب آخر، لا يحنث بالإِعارة إذ لا تمليك فيها، وعن مالك، أنه يحنث، ولا بالوصية؛ لأنه تمليكٌ بعد الموت، والميِّت لا يَحْنَث.

وعن أبي الحُسَيْن بن القَطَّان؛ أنه لا يحنث بالوصية، ولا بالضيافة؛ لأنه لا تمليكَ فيها على الصحيح، قال في "التتمة": وفيها وجهٌ بعيدٌ، بناءً على أنه يملك الضيف الطعامَ الذي يأكله، ولا بالوقف، إن قلْنا: الملْكُ فيه للواقفِ، أو لله تعالَى، وهو الصحيح، فإن قلنا: للموقوف عليه، فيحنث.

وأشير إلَى خلاف فيه، وإن قال الحالف لرجل: وَهَبْتُ منك كذا، فلم يَقْبَلْ، لم يحنث؛ لأن العَقْدَ، لم يتمَّ، ولم يصحَّ وعن ابن سُرَيْج: أنه يحنث، وبه قال أبو حنيفة، لأنه يُقال: وهَبَ من فلانٍ، فلم يَقْبَل ويخرَّج على هذا الخلافِ ما إذا أعمر الحالفُ، أو أرقب ولم نصحح العقدين، ولو تَمَّ الإِيجاب والقبول، لكنه لم يقبض، فوجهان:

أظهرهما: عند المتولِّي أنه يحْنَثُ، لأنَّ الهبة قد تحقَّقت، والمتخلِّف الملْكُ وعند صاحب "التهذيب" أنه لا يَحْنَث؛ لأن مقصود الهبة لم يحْصُل (?).

ولو حلف لا يتصدق فتصدَّق فرضًا أو تطوعًا، حَنِثَ، لشمول الاسم القسمين جميعًا، ولا فرق بين أن يتصدق على غنيٍّ أو فقيرٍ، خلافًا لأبي حنيفة في الغَنِيِّ، وذكر في "التَّتِمَّة": أنه لو دفع إلى ذِمِّيِّ، لا يحنث؛ لأنه لا قُربَة فيه، وهذا ممنوعٌ، كما في عكسه.

وأصحُّهما: المنع، وهو المذكور في الكتاب، والهبة مع الصدقةِ لا يتداخلان تداخُلَ العمُومُ والخصوص، وكلُّ صدقيةٍ هبةٌ، ولا ينعكس، ولو وقف، ففي "التتمة" إطلاقُ القول، بأنه يحنث؛ لأن الوقف صدقةٌ، وبناه غيره على الأقوال في أن المِلْكِ لمن؟ إن قلْنا للواقف لم يحْنَثْ وإن قلْنا: لله تعالى، حَنِثَ، وإن قلنا: للموقوف عليه، ففيه وجهان، كما في الهبة.

ولو حلف، لا يَبَرُّ فلانًا، تناولَتِ اليمينُ جميع التبرُّعات من الهبة، والهدية، والإِعارة، والضيافة والوقف وصدقة التطوع، يحنث بأيِّهَا وجَدَ ولو كان المحلوفُ عليَه عَبْدَهُ، فأعتقه حنث، وكذا لو كان عليه دَيْن، فأبرأه، ولا يحنث بأن يدفع إليه الصدقة المفروضة، ولو حلف لا يعتق عبدًا فكاتب عبدًا، وعتَقَ بأداء النجوم، فعن أبي الحُسَيْن، أنه لا يحنث.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015