بنفسه، كالسلطان أو كان الفعل المحُلُوفُ علَيْه مما لا يَعْتَاد الحالفُ فعْلَهُ أو لا يجيءُ منه ذلك كالبناء، والتطيين إذا حلف عليهما، فأمر بهما غيره، واختلف الأصحاب، فمنهم من أثبت ما ذكره قولاً للشافعيِّ -رضي الله عنه- وبه قال أبو إسحاق، وقد يوجَّه بأنه المفهوم من قوْلنا: قتل السلطان فلانًا، وضرب فلانًا، ومنهم من امتنع منه وقال: إنَّه من عند الربيع.
وبهذه الطريقة قال صاحب "التقريب" وظاهر المذهب الأول، وإن أثْبَتَ ما ذكره قولاً، ووجَّهُوه، بأنَّه حَلَفَ عَلى فعْلِ نفسه حقيقةً، فلا يحْنَثُ بغيره، ولا نظر إلى العادة؛ ألا ترى أن الأمير إذا حَلَف؛ لا يلبس، أو لا يأكل، فلبس أو أكل ما لا يعتاده. يَحْنَثُ؟ ولو حلف لا يزوِّج ابنته، أو لا يطلِّق، أو لا يعتق، فوكَّل، وعقد الوكيل، فالحكم كما في البيع والشراء، ولو فوض الطلاق إلَى زوجته، فطلقت نفسها، فهو كما لو وكَّل فيه أجنبيًا، حتى لا يحْنَثَ، على الظاهر، وفيه قول، إنه يحنث، وإن قلْنا في الصورة السابقة: إنه لا يحنث لأنه فوَّض الطلاق إلَى من لا يملكه، فكأنه هو المطلِّق، ولو قال: إنْ فعلْتِ كذا، أو إنْ شِئْتِ فأنتِ طالقٌ، ففعلَتْ أو شاءَتْ، حنِث؛ لأن الموجود مجرَّدُ الصفة، وهو الموقع.
ولو حلف؛ لا ينْكَحُ، أو لا يتزوج، فوكَّل به، فقَبِلَ له الوكيلُ نكاحَ امرأة، فهل يحنث؟ نقل صاحب "التتمة" فيه وجهين:
أحدهما: لا، كما في الييع والشراء؛ لأنه يصْدُق أن يُقَالَ: ما نكح فلان، إنَّما نكح له، أو قَبِلَ لَهُ النكاحَ، فلان، وهذا ما أورده الصَّيْدلانيُّ، وصاحب الكتاب.
والثاني: أنه يحْنَثُ؛ لأن النكاح لا يتعلَّق بالوكيل، بل هو سفيرٌ محضٌ؛ ولذلك يشترط فيه تسميةُ الموكِّل، وهذا ما أورده صاحب "التهذيب" ولو قَبِلَ لغيره، نِكَاحِ امرأة، فقضية الوجه الأول؛ أن يحنث وقضية الثاني ألا يحنث.
وفيما إذا حلف، ألا يبيع ولا يشتري فتوكل عن غَيْره في البيع الشراء.
حكى صاحب الكتاب وغيره -رحمهم الله- أنه إذا أضاف العقْدَ إلى الموكِّل، لم يحنث، لوإن اقتصر على النية، ولم يضف لفظًا، فوجهان:
أظهرهما: الحِنْثُ.
والثاني: عن تخريج القاضي الحُسَين: المنع؛ لانصراف العَقْد إلى غيره، ويوافق هذا أن جماعة من الأصحاب أطْلَقوا القول؛ بأنه لو توكَّل في البيع أو الشراء، يَحْنَثْ، ولم يُفَصِّلُوا، ويوضِّحه، ما ذكرنا وجْهًا؛ أن الحالف عَلَى ألاَّ ينكح، يَحْنَثْ، إذا قَبِلَ النكاحَ ولايةً عن غيره، مع أنه لا بدَّ هناك من الإِضافة إلى الموكِّل، ويشبه أن يرجح ما