رُويَ عن عمر -رضي الله عنه- أنَّه قِيلَ لَهُ: لَو لَيَّنتْ طَعَامَكَ وَشَرَابَكَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: لأَقْوَام {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ في حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} (?) واختيارُ السلَفِ خشونةَ العيشِ معروفٌ، وقال صاحبُ "الشامل": يختلف ذلك باختلاف أحوال الناس، وقصودهم وفراغهم للعبادة، واشتغالهم بالضيق والسعة وهذا أصوب، وإن حَلَف على مباح لا يتعلَّق به مثل هذا الغرض؛ كدخول دار، وأكل طعام، ولبس ثوب، وتركها، فله أن يقيم عليه، وأن يُحَنِّثُ نفْسَه، وأيهما أولَى؟ فيه ثلاثة أوجه:

الأوْلَى: عند ابن الصباغ وغيره: أن الوفاء أولَى؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] وأيضاً، فلما فيه من تعظيم اسْمِ الله تعالَى، وهذا ما يقتضي نظمْ الكتابِ ترجيحه، وبه قال أبو علي الطبريُّ.

والثاني: أن الحنث أولَى؛ لقوله تعالى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ} [البقرة: 57] ولينتفع المساكين بإخراج الكفارة.

والثالث: أنه يتخير بين الوفاء والحنِثْ، ولا ترجيح، كما كان قبل اليمين، وإذا تأملت هذا التفصيل عرفْتَ أن اليمين لا يغيِّر حال المحلوف عليه عما كان؛ وجوباً وحظْراً وإباحَةً، وعند أبي حنيفة: اليمين يحرِّم الحِنْث؛ فمن حلف إلاَّ يفعل، حَرُمَ عليه الفعل، ومن حَلَف أن يَفْعل، وجب عليه الفعل، قال الرويانيُّ وغيره: ووافَقَنا أن اليمين لا تبيح الشْيء الذي كان حراماً، وحَلَف أن يفعله، ولا يسقط الوجوب فيما كان واجباً، إذا حَلَف ألا يفعله، ومنهم مَنْ عمَّم تأثير اليمين أصله أصلْه، وقال: إذا حلف ألاَّ يصلِّي، تحرم الصلاة عليه بحُكْم اليمين مع وجُوبها شرعاً، واحتج الأصحابُ -رحمهم الله- بِمَا رُويَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ" ولو كان الحنث حرامًا؛ لَمَا أَمَرَ به، وعنْ أبي موسى الأشعريِّ -رضي الله عنه أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ أحَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا، إلاَّ أتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وتَحَلَلْتُ عَنْ يَمِينِي" (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015